عندما تستخدم فلتر المياة وتجد أن المياه غير الصافية تخرج منه بنفس اللون الذي تدخل به فإن هناك احتمالين: قد تكون عكارة المياه أكبر من قدرة الفلتر على العمل، وقد يكون هناك عيب صناعة في الفلتر نفسه، وقد يجتمع السببان معا، وتصبح هناك ضرورة للفحص والبحث عن حلول وتنفيذها.
لا تخفى على متابع مجال ريادة الأعمال ظاهرة دخول عدد كبير ومتزايد من الطلاب والشباب بمشاريع ريادية إلى مراكز الإبداع وحاضنات الأعمال وتخرجهم منها دون تطور حقيقي لمعظمهم أو لمعظم مشاريعهم، مما يكوّن فقاعة كبيرة من المشاريع غير المؤهلة للحصول على تمويل أو الاستمرار في السوق بشكل صحي، وعندما تنفجر الفقاعة مع انتهاء رأس المال المحدود يسقط الشباب ضحايا التسرع والفهم الخاطئ والطموح غير المنطقي ويعانون ما بين البحث عن درجة وظيفية لم يؤهَّلوا لها وبين تكرار التجربة لعل وعسى (ليشاركوا في صنع فقاعة جديدة)، والشبكات الاجتماعية وصناديق الرسائل لديّ تشهد على تزايد ضحايا ريادة الأعمال.
وبما أن هذه هي الجهات التي تعرّف الطلاب والشباب على ريادة الأعمال لأول مرة وتفتح أعينهم على ذلك العالم المبهر فإن عليها المسؤولية الكبرى على الإطلاق في ضبط المجال وضمان جودة المشاريع المنضمة إليه والحفاظ على حظوظ الشباب في أن تكون لهم قيمة في سوق العمل سواء عن طريق الوظيفة أو المشروع الخاص، ما أقصده هو أن دَور الحاضنات ومراكز الإبداع أعظم بكثير من مجرد تعليم ريادة الأعمال ودعمها بالشكل الحالي.
وسوف أوضح في النقاط التالية الأنشطة و/أو الآليات التي نحتاج من حاضنات الأعمال ومراكز الإبداع في الجامعات أن تقوم بها لتلعب دورا إيجابيا يفيد الشباب ويفيد مجال ريادة الأعمال:
التوعية بريادة الأعمال بشكلها الحقيقي
تستخدم الجهات الداعمة لريادة الأعمال نبرة الخطاب الدعائي الذي ينشر مزايا ريادة الأعمال ويقدمها كحل “سحري” للمشاكل وكطريق “مختصر” للثروة والشهرة وكبديل “سهل” للوظيفة، من قبيل “فرصتك لتصبح لديك شركة” و”تمويل يصل إلى كذا ألف جنيه” و”طريقك إلى الحرية المالية” و”حوّل مشروع التخرج إلى شركة ريادية مليونية”، مما يزرع لدى الشباب توقعات خاطئة تماما تؤدي إلى انقيادهم لتلك الدعاوى وكرههم للمسارات التقليدية (العمل في وظيفة أو فتح مشروع تقليدي صغير)، وتكون النتيجة تأخرهم في المسار الوظيفي عن زملائهم وعدم اكتسابهم خبرات متخصصة وضياع الوقت والمال (وكنت قد نشرت أمثلة من الرسائل التي تصلني من شباب فقدوا فرصهم الطبيعية في السوق بسبب ذلك).
يجب أن تعتدل تلك النبرة الدعائية، فيُشرح المجال بشكل صحيح بما فيه من عقبات وصدمات ومخاطرة، وأن تُقدَّم نماذج الفشل كما تقدم نماذج النجاح، ليصبح الشاب مسؤولا عن قراره بعد أن تبينت له الصورة بشكل أمين، في فيديو “هل أعمل في وظيفة أم أفتح مشروعي” قدمت مقارنة شاملة وناقشت الأسباب التي يرغب الشباب الدخول إلى المجال من أجلها بطريقة منطقية تسلسلية.
هذه التوعية ستلعب دور الفلتر الأول والأساسي أمام الشباب وتحسّن من جودة الشركات الناشئة الداخلة إلى السوق.
إصلاح وتطوير السمات الشخصية
بالإضافة إلى بعض السمات السائدة كالفهلوة وقلة الصبر والبحث عن طرق مختصرة والنظر لما في يد الغير يكتسب بعض الشباب سمات سلبية إضافية كالطمع واللا مبالاة والاستسهال عندما يتعرفون على مجال ريادة الأعمال عن طريق مراكز الإبداع والحاضنات، ويتحول الأمر بالنسبة لهم إلى “سبّوبة” دون أن يهتموا بتلقي قيمة حقيقية أو تقديم قيمة حقيقية (حتى أصبح من الطبيعي أن نرى الشاب نفسه في عدة حاضنات يتلقى الدعم المادي منها جميعا على فكرة مشروع لن ينفذه)، يساعد في ذلك أن برامج الحاضنات والمراكز تحتاج إليهم لأنها مقيدة “بأعداد” محددة يجب أن تقدم لهم الخدمات والدعم، لذلك تضطر إلى استخدام سياسة “push” لدفع الخدمة إلى الطلاب والشباب بدلا من سياسة “pull” رغم أن السياسة الأولى ثبت أنها لا تصنع تأثيرا جيدا ولا تؤدي إلى الازدهار الاقتصادي والاجتماعي المطلوبين عكس السياسة الأخيرة.
من المهم أن تقدم الحاضنات برامج لتطوير الشخصية وإصلاح السمات، وأن يكون تركيزها على بناء الشخصية بالتوازي مع برامج تدريب وتمويل المشاريع الريادية وبالضوابط المناسبة.
من شأن هذه المجهودات أن تعيد لشخصية الشباب استقامتها وأن تنتج للسوق وللمجال وللمجتمع جيلا سليم القلب.
إكساب المهارات الشخصية والإعداد لسوق العمل
نتيجة للتركيز على منهج ريادة الأعمال في مراكز دعم رواد الأعمال يتخرج الطلاب غير ممتلكين للمهارات الشخصية اللازمة لنجاحهم في سوق العمل، مهارات مثل التواصل الفعال والتفكير النقدي وحل المشاكل والتحدث أمام جمهور وبناء المسار الوظيفي والعمل ضمن فريق والتعامل الاحترافي والقيادة وأخلاقيات العمل والعمل في وظيفة كل هذه أمور يقل وجودها اليوم، ينتج عن ذلك ما نراه ونسمعه من الموظفين ومن المديرين -على حد سواء- على صفحات الشبكات الاجتماعية مما يعتبر نقصا في الوعي وعدم إلمام بأساسيات كان من المفترض أن يهتم أحد بتوصيلها إليهم.
ليس من الصعب العمل على إكساب الشباب المهارات الشخصية، لكن من المهم أن يكون ذلك في إطار فعال يحدث نتيجة بالفعل لا مجرد محاضرات أو ملخصات كتب.
عندما يكتسبون هذه المهارات بدعم من الحوافز المناسبة والتدريب السليم فهذا يعني موظفين ناجحين ومن ثم مديرين ناجحين وأصحاب مشاريع ناجحين إداريا.
التدريب على تخصصات العمل المطلوبة في الشركات الريادية
على عكس التصور الشائع لا يتكون مجال ريادة الأعمال في أي دولة من رواد أعمال فقط (أصحاب الأفكار والرؤى والاستعداد)، بل ربما يمثل الرواد أقل من ربع أصحاب الشركات والمشاريع الريادية، وفي المقابل يمثل المبرمجون ومتخصصوا التسويق الإلكتروني ومتخصصوا المبيعات أغلب الشركاء المؤسسين، ومع الوقت يكتسب بعض هؤلاء الأخيرون الخبرة الريادية المطلوبة ليصبحوا رواد أعمال في المستقبل ويشترك معهم متخصصون جدد وهكذا، وبدون المتخصصين لن تجد الشركات الريادية من يقوم على تشغيلها (أو حتى الشركات العادية على المدى الطويل).
عدم فهم هذه الحقيقة أدى إلى أن يتصور كل شاب أن من الضروري عليه تعلم ريادة الأعمال على حساب وقت ومجهود وأهمية التخصص الوظيفي، فأصبح المعتاد أن يبدأ في تعلم التخصص بعد بدئه للمشروع الناشئ مع شركائه فيخطئ أخطاء كارثية نتيجة غياب التعلم والخبرة، وبعد عدة شهور تفشل كل المشروعات التي أنشئت بهذه الطريقة.
ستسدي الجهات الداعمة لريادة الأعمال معروفا كبيرا للشباب بالمساهمة في توعيتهم بأهمية تعلم تخصص للعمل به في الشركات سواء الريادية أو غيرها، وبالمساهمة في تقديم ذلك التدريب لهم سواء بإمكانيات ذاتية متخصصة أو بالشراكة مع جهات متخصصة، وستتمكن من “التشبيك” بين أصحاب الأفكار والسمات المطلوبة وبين المتخصصين في ما هو مطلوب لتشغيل المشاريع.
ستسدي معروفا لريادة الأعمال، ومعروفا للاقتصاد بتفريخ الشباب الماهرين في تخصصاتهم، ومعروفا للمجتمع بتقليل البطالة ورفع المستوى المادي للشباب الموظفين.
تقليل عدد المشاريع التي تقدَّم لها البرامج
تعتمد الجهات التي تقدم الدعم للطلاب والشباب في احتضان مشاريع ريادة الأعمال الخاصة بهم على المنح والمخصصات، ويكون عدد المشاريع التي يجب تقديم الخدمات لها محددا بالفعل في خطة العمل، ما يحدث هو أن هذه الجهات لا تجد من المشاريع العدد الكافي الذي يستوفي المطلوب، ولهذا فهي تقبل أفكارا ومشاريع ذات جودة منخفضة، مما يؤدي إلى تكوين الفقاعة التي ذكرت في مقدمة الموضوع، وإلى هدر الموارد المختلفة.
عندما أستمع إلى بعض القائمين على هذه الجهات فأجد الحديث عن أرقام من قبيل عدد من تم تقديم تدريب ريادة الأعمال إليهم من الطلاب وعدد الورش التدريبيبة ومبالغ التمويل المقدمة وعدد ساعات التدريب وعدد المشاريع المتقدمة للحصول على الدعم وعدد المشاريع المتخرجة أشعر بالحسرة، فرغم أن هذه الأرقام مطلوبة لرفع تقارير الأداء إلى الإدارات والهيئات المانحة إلا أنها لا تعني شيئا على الإطلاق بالنسبة لريادة الأعمال، ناهيك عن الأثر السيء الذي ينتج عن التنافس في زيادة العدد على حساب الجودة (وهو ما نعاني منه بالفعل). الأرقام المطلوبة هي عدد الشركات المتخرجة التي حصلت على تمويل تالي، وعدد الشركات المتخرجة التي وصلت إلى التخارج، وعدد رواد الأعمال الذين أنشأوا شركات بعد هذه الشركة التي تخرجت وتخارجت، وعدد من حصلوا على وظائف بعد تدريبهم على تخصصات سوق العمل، وعدد من حصلوا على وظائف في الشركات المتخرجة الخ: الأثر.
يجب على كل جهة أن تفكر في حل لهذه المشكلة يشمل تحديد معايير قبول المشاريع ورفع مستوى القائمين بالاختيار وتقليل عدد المشاريع التي تقبلها لتضمن استغلال الموارد بالطريقة الصحيحة والمساهمة في تخريج شركات تتوافر لديها مقومات الاستمرار والنجاح.
الشفافية
عندما لا تكون المعلومة واضحة ومعلنة يُفتح الباب للتكهنات والتوقعات ولا يكون لها سقف تتوقف عنده، مما قد ينشر سمعة سيئة (صائبة أو خاطئة) عن الجهة المعنيّة، يحدث هذا في بعض الجهات الداعمة لريادة الأعمال عندما تعلن الجهة عن برنامجها للشباب وتعدهم بقيمة مالية مرتفعة ليتبين لهم عندما يلتحقون بها أن هذه القيمة ما هي إلا تسعير الجهة لخدمات الدعم المتنوعة المقدمة لهم، وعندما يتكرر رفض المشاريع دون إبداء الأسباب أو بإعطاء أسباب تافهة، وعندما يُعلَن عن قبول مشروع ثم يُرفض لصالح مشروع آخر دون إبداء الأسباب، إلى غير ذلك من الممارسات.
ما سبق يؤثر على سمعة المجال نفسه على المدى القصير فنسمع “أصبح العمل في دعم ريادة الأعمال سبّوبة” و”المجال كله شللية وصحوبية” و”يستصغروننا لأننا شباب صغار” وكذلك يؤثر على سمعة الجهة على المدى المتوسط فيحذّر رواد الأعمال بعضهم بعضا من التعامل معها مما يقلل تدفق المشاريع الجيدة إليها.
بقدر أهمية الأنشطة المقدمة للدعم تأتي الشفافية، يجب أن تكون الأمور واضحة ومبررة ليشعر الشباب بالاحترام ويكتسبوا سمة الوضوح والصراحة هم أنفسهم، وكذلك لتحتفظ جهات الدعم بسمعتها الطيبة مما يمكنها من الاستمرار في أداء دورها بشكل فعال، ولا يكون فهم أهمية الشفافية صعبا ولا يكون تنفيذها صعبا إلا في أطر العمل غير النزيهة (وهذا ما ننزّه عنه كل الجهات الداعمة بالطبع).
معايير الاختيار والقائمون بالاختيار
كان آخر عهدي بالتحكيم في المسابقات وقبول المشاريع في برامج الدعم منذ عدة سنوات عندما وجدت نفسي بين خمسة من الخبراء المحترمين في مجالات تقليدية (دون أن يكون بينهم متخصص ممارس في ريادة الأعمال) وبين أيدينا ورقة فيها معايير الاختيار، المعايير نفسها كانت سيئة ومختلطة ومنها معيار مكرر تحت محورين مختلفين، أبديت اعتراضي على المعايير لكن لم يكن هناك وقت للتعديل، وعندما بدأنا نجتمع بالمشاريع ونسألهم ثم نسجّل درجات كل معيار ونراجعها سويا كان التفاوت مذهلا ومضحكا ومحزنا في وقت واحد، وكانت النقاشات عقيمة وطريقها مسدودا، باختصار: لم تكن المعايير صحيحة، ولم يكن اختيار الحكام صحيحا.
أدركت صحة موقفي برفض التحكيم بعدها عندما أقيمت مسابقة في حدث كبير بمحافظة صعيدية ولما تحدثت أنا وزملائي من الموجهين والمتحدثين إلى الشباب لنتعرف على مشاريعهم كنا متوقعين لفريق معين أن يفوز بالمركز الأول، مع مرور الأيام كان الحضور جميعا متوقعين للفريق بالفوز، وعندما أعلنت النتيجة لم يكن ضمن الفرق الثلاثة الأولى أصلا، واستقبل الحضور النتيجة بصيحات الاستهجان وعبارات التعجب.
هذه النقطة هي غصة الحلق التي يعاني منها معظم من تعاملوا مع حاضنات ومسرعات ومسابقات ريادة الأعمال، فبمجرد الدخول في نقاش مجتمعي عن المجال تمثل الشكاوى المؤيدة بالتفاصيل والتواريخ أكثر من 70% مما يشكو الشباب منه، في المعتاد لا تكون معايير الاختيار معلنة، وإذا كانت معلنة فهي عامة وفضفاضة من الصعب ترجمتها إلى معايير محددة، أو خاطئة وغير مناسبة للمجال في الأساس، وبعد هذا يحدث الخرق للمعايير بالموافقة على مشاريع غير مؤهلة لمجرد التعاطف أو الصداقة، ثم بعد كل هذا يتم الاستعانة بموظفين داخليين و/أو خبراء خارجيين لا يتمتع معظمهم بالخبرة اللازمة لفهم معايير الاختيار (إن وجدت) ولا يتمتع بعضهم بالنزاهة المطلوبة للاختيار النزيه فيستجيب للشللية والوساطة.
نحن نتحدث عن البوابة الأساسية لبداية طريق ريادة الأعمال، الاختيار في الحاضنات والمسابقات، الخطوة الأولى التي تكوّن الانطباع عن المجال كله لدى المتعاملين معها، لا بديل عن مراجعة عملية التقدم والاختيار، يجب أن تكون المواعيد محددة ومعلنة (حتى لو كان هناك اضطرار للتعديل لاحقا)، يجب أن تكون الملفات المطلوبة واضحة وأن يكون لها مثال، يجب أن تكون معايير الاختيار واضحة وتفصيلية، يجب أن يكون اختيار الحكام على أساس الخبرة في المجال لا الصداقة أو حسب “المتاح”، يجب أن يكون هناك تقارب في نتيجة كل مشروع بين معظم الحكام، يجب أن يتاح للمتقدمين التقدم بتظلم وأن يكون للتظلم مسار وآلية كي تُكتشف الأخطاء مبكرا ويتم إصلاحها.
إذا أردنا أن تنهض ريادة الأعمال فلن يحدث هذا بتكرار الممارسات الحالية التي لا تؤدي إلى النتائج الإيجابية المطلوبة، وإنما بالمصارحة والحوار والعمل على الإصلاح.
تقديم التدريب بواسطة ممارسين متخصصين
تقدم مراكز الإبداع وحاضنات الأعمال برامجها التدريبية والتوجيهية عن طريق موظفيها بشكل أساسي وتستعين بمتخصصين خارجيين في بعض الأوقات، هؤلاء المتخصصون الخارجيون يتم اختيار معظمهم عن طريق العلاقات الشخصية على حساب الخبرة العملية والقدرة على توصيل المعلومة (قراءة الكتب أو المشاركة في إنشاء شركة واحدة أو تلقي شهادة أكاديمية كل ذلك لا يؤهل لتدريب ريادة الأعمال وحده)، والنتيجة لذلك تصبح أغلبية البرامج متشابهة ومكررة وغير مناسبة للبيئة المحلية، وتصبح فعالياتها محاضرات وورش عمل مفتقدة لمستوى الفاعلية المطلوب، فلا يهتم الشباب بالحضور ولا يدركون أهمية التعليم والتدريب، أو يتعلمون ما ينبغي ألا يتعلمون.
الاستعانة بالممارسين المتخصصين من ذوي الخبرة ممن عملوا في المجال لعدة سنوات ولديهم القدرة على الاستفادة من الدروس في المواقف المختلفة وصقلوا ذلك بالتعلم المستمر من المتخصصين الآخرين من شأنه أن يحسّن المحتوى المقدم وأن يؤهل الشباب لخوض غمار ريادة الأعمال بالشكل الصحيح.
توفير خبراء في المجالات والصناعات المطلوبة للشركات الريادية
في أغلب الأوقات التي يفكر فيها رائد الأعمال في حل لمشكلة ما في مجال/صناعة ما لا تكون لديه خبرة مسبقة في هذا المجال، ويبني معظم تفاصيل المشروع على تصورات وتخيلات لديه، مما يوقعه في أخطاء بديهية يعرفها من عمل في مجال المشروع لمدة شهر واحد حتى، وليست المنشورات التي تتحدث عن رغبة أصحابها في إنشاء شركات شحن تتلافى أخطاء الشركات الكبيرة الحالية منا ببعيد “عندي فكرة لإنشاء شركة شحن لتوصيل الشحنات في نفس اليوم وبتكلفة أقل.” وهذا يعني خسارة الوقت والجهد والمال والإحباطات الأكيدة بالطبع.
من المهم للغاية تكوين العلاقات بين جهات الدعم وبين الشركات العاملة في المجالات التي تعمل فيها الشركات الناشئة في هذه الجهات، مع الوقت يمكن للشركات شرح طرق العمل وتقديم المعلومات وتوفير الخبرات وحتى التحقق من جدوى أفكار المشروعات التي تحاول تطوير مجالات عملها، تعمل هذه الأنشطة على فلترة الأفكار ورفع مستوى الاستعداد لدى رواد الأعمال من جهة وكذلك زيادة إمكانية التعاون بين المشاريع وبين الشركات الكبيرة في المجال وإمكانية استثمار الأخيرة في الأولى.
خدمات ما بعد البرنامج
تنقطع الصلة بين معظم الجهات المقدمة للدعم وبين رواد الأعمال بمجرد تخرجهم منها، على اعتبار أن الجهات قد قدمت برامجها بالفعل وأدت واجبها، إلا أن هذا بعيد عن الحقيقة التي تفرضها طبيعة المجال. فالشركة الريادية تحتاج إلى التمويل المتكرر، والتوجيه المستمر، وتعلم أفضل الممارسات في المجال، والتدرب في تخصصات العمل المختلفة داخل الشركة، والعلاقات مع الشركاء الاستراتيجيين، والأهم: الموارد البشرية الماهرة في ما تفعله.
كل هذه أشياء يمكن للجهة الداعمة تقديمه عن طريق الشراكات والتشبيكات مع الشركات والاستشاريين والجهات الأخرى، ومن مصلحة الجهة أن تنجح الشركات المتخرجة منها لتضمن إقبال المشاريع الجيدة على الانضمام إليها وإقبال الخبراء على التعاون معها وإقبال المستثمرين على الاستثمار في الشركات المتخرجة منها.
خاتمة
في مجال لا يتوقف عن التطور والتغير من الصعب تخيل إمكانية النجاح بإطار عمل ثابت وجامد لمدة طويلة، وعندما نعترف بأن النتائج غير مرضية (رغم النوايا الحسنة والاجتهاد) يصبح التمسك بإطار العمل القديم وبالأنشطة المخطط لها أمرا غير منطقي، وفي وجود تصور للحلول (حتى لو كانت مجرد مبادئ) يصبح من الضروري العمل على تحويلها إلى حلول عملية وخطط عمل مع مراعاة بقية العوامل كاشتراطات الجهات المانحة والاعتبارات السياسية وارتباط أنشطة الجهات بأنشطة جهات أخرى، من الضروري البدء الآن.