في الأسبوع الماضي كنت أحكي للشباب اصحاب المشاريع عن قصص النجاح فلمحت في العيون احلاما وبهجة، وعندما تحدثت عن خارطة الطريق وتفاصيله زاد الاطمئنان على الوجوه وشعت الثقة منها، مما صعّب علي توضيح رأيي في ممارسة “الطلبة وحديثي التخرج” لريادة الاعمال (وكان بعضهم كذلك)، لكن حرصي على مصلحتهم يقتضي المصارحة، لذلك تجرأت وتحدثت عن ذلك، فساد الوجوم في البداية، وبعد أن شرحت الأبعاد المختلفة أصبحت الأمور مفهومة وبدا الارتياح في الوجوه.. فشعرت بأهمية أن أشرح وجهة نظري كاملة في نقاط واضحة موجهة للطالب وحديث التخرج، مع التسليم بأن لكل قاعدة استثناء:
1- أفضل ما يمكنك القيام به هو اكتساب الخبرة في مجالين: مجال دراستك (الذي سيصبح مجال عملك) ومجال اهتمامك/هوايتك..
اقض 3-5 سنوات على الأقل في الوظيفة لكي تصبح متمكنا من مجال عملك، وخذ الدورات التدريبية والمراجع التي تسرّع من ذلك ومارس ما تعلمته مرارا وتكرارا، بهذا لن تكون أعزل في سوق العمل، ستكون معك أدوات يمكنك أن تدخل بها إلى الشركات إذا ساءت الظروف في أي وقت.. شاهدت عدة مرات مجموعات من الشباب حديثي التخرج يخرجون من مشروع غير ناجح إلى آخر مكتسبين مهارات تخص الproduct management والinterpersonal skills دون سابقة أعمال مقنعة، ودون أن يكتسبوا مهارات خاصة بمجالات عملهم الاساسية، مما يعني عدم وجود بديل وظيفي قوي ومضمون..
واقض وقتا مناسبا على اهتماماتك وهواياتك، فمع زيادة خبرتك فيها ستظهر لك فرص كثيرة يمكنك تحويلها لمشاريع فيما بعد (كما سيظهر في النقطة الرابعة).
2- يمكن أن تعمل في مشروع ناشئ، وتصبح مؤسسا مشاركا (cofounder) أو موظفا، بأربعة شروط: أن يكون دورك تنفيذيا (لا إداريا)، ومتعلقا بدراستك وخبراتك، وألا يتطلب خبرة اكبر بكثير جدا مما لديك الآن، وألا تحصل على لقب فاخر (CxO).. بدون هذه الشروط قد يكون ضرر هذا القرار أكبر من فوائد، وهي تظهر بعد عام أو أكثر..
من هذه الفوائد زيادة الخبرة في مجال عملك نوعا ما، وأنك ستظهر أفضل ما فيك إذا كنت راغبا في التطور، وأنك ستكتسب خبرات التعامل مع الناس والعملاء والمديرين، وإذا نجح المشروع فسوف تكون فرصة كبيرة لك في حياتك..
أما الأضرار فهي تنشأ بسبب قلة الخبرة على كل الأصعدة، وتتسبب في مشاكل وأخطاء كثيرة (قد تؤدي إلى إخراجك من المشروع وإعادة عمل كل ما قمت بعمله أو إغلاق المشروع تماما)، كما أن عدد الأشخاص في المشروع يكون قليلا جدا في البداية مما لا يتيح لك فرصة للتعلم في مجالك وتخصصك، بالاضافة الى ذلك تتعرض لصدمات كبيرة في وقت مبكر دون أن تكون لديك مناعة تجاه الأشخاص والأحداث، ويتكون لديك حاجز نفسي تجاه قبول وظائف يقبلها أقرانك بشكل عادي..
3- إذا كانت لديك فكرة ناتجة عن ملاحظة لاحظتها أو أمر فكرت فيه أو جلسة تفكير مع الأصدقاء وبالتالي فسوف تصبح مؤسس مشروع (founder) فلا تنفذها الآن، اهتم بالنقطة رقم 1 بدلا من ذلك.. أعرف شابا رائعا قام ببدء مشروعه وهو طالب واستمر فيه بعد التخرج، عندما يمر المشروع بوقت عصيب أجده قلقا جدا لعدم تمكنه من اكتساب خبرة ومهارة في تخصصه توازي خبرة ومهارة زملائه مما قد يقلل فرص توظيفه إذا أغلق المشروع واحتاج إلى العمل في شركة..
أما تولي المسؤولية عن مشروع في وقت مبكر من العمر فغالبا ما يؤدي إلى الأخطاء الشائعة مثل تقسيم الحصص 50% 50%، وبدء العمل دون تأكد من وجود احتياج للمشروع في السوق، وعدم تحديد اصغر شريحة للجمهور المستهدف في مرحلة الإطلاق، وإغفال بنود مهمة أثناء حساب تكلفة المشروع التأسيسية وتكلفته التشغيلية، وعدم وجود خبير في مجال المشروع، والاختيار السيء للشركاء والموظفين، وإنفاق رأس المال في غير موضعه، وعدم التعامل بشكل صحيح مع الموظفين، وعدم التمكن من إقناع المستثمرين، واختيار مخططات سيئة للحلول التقنية، واختيار خطط سيئة للحلول التسويقية، الخ..
4- إذا كانت لديك خبرة جيدة في مجال ما أو اهتمام ما، وتكونت لديك مع الوقت قناعة بوجود قصور ما يضايقك ويمكن علاجه، أو تحسين ما يسعدك أن يكون موجودا، فهنا يمكن أن نتحدث عن ريادة الأعمال.. أفضل طريق هو أن تستعين بمتخصص في الإدارة ليكون مسؤولا عن المشروع بالكامل (product manager بخلفية علمية وعملية)، في حين تكون لك حصة الفكرة وحصة مهام التشغيل بما أنك خبير في المجال، أما أن تبدأ المشروع بنفسك فهذا لا يزال خطرا بالشكل الذي تحدثنا عنه في النقطة السابقة..
من أصدقائي الأعزاء شخص عمره 25 سنة بدأ معي مشروعا لمنافسات الالعاب الالكترونية منذ كان طالبا (21 سنة) لأنه كان يساعد في تنظيم تلك البطولات بطريقة تقليدية لعدة سنوات فاكتسب خبرة كبيرة فيها ومعارف كثيرة بسببها، واستعان بأشخاص أكفاء يتولون المهام المختلفة في المشروع، هذا الشخص أصبحت لديه أكبر شركة في المجال في الشرق الأوسط وحصل على استثمار ممتاز في العام الماضي..
5- إذا كنت تسأل عن جدوى ماجستير دراسة الأعمال لتكتسب مهارة تمكنك من إنشاء وإدارة مشروع في وقت مبكر، فرغم أنها ممتازة وتحدث فرقا مع من يرغب في التطور شرط أن يكون محبا للبحث وعدم الاكتفاء بالمنهج المقرر، إلا أنها غير مجدية مع حديثي التخرج، وهذا سبب الشرط الموجود في معظم الجهات التعليمية: 3-5 سنوات خبرة في الوظيفة، وقد خبرت هذا بنفسي مع أشخاص أخذوا استثناء من شرط مدة الخبرة ولمست الفرق ومدى معاناتهم في الدراسة لعدم إلمامهم بأساسيات العمل والوظيفة ناهيك عن أساسيات الإدارة..
6- إذا كنت مؤسسا حاليا لمشروع أو مؤسسا مشاركا فاستمر فيما تفعله إلى أن تصل إلى نهايته أو بدايته، وتسلح بكل ما يمكنك أن تحصل عليه من تعليم ريادة الأعمال (entrepreneurial education) ودورات متخصصة في المجالات التي تحتاجها لمشروعك، وليكن معك دائما شريك خبير في مجال المشروع (إذا لم تكن أنت الخبير فيه).. إذا وصلت إلى نهاية المشروع فلا تعطه وقتا أطول مما أخذ حزنا على الوقت والمجهود والمال المبذولين، هذا كله تكلفة غارقة (sunk cost) يجب أن تحيّدها وألا تدخل في حساباتك وأنت تأخذ القرار.. أما إذا وصلت إلى البداية التي تعبت للوصول إليها فاستعن بمدير يتولى توجيه الأمور وتنظيمها ومتابعتها بشكل صحيح حتى تستثمر حالة النجاح التي وصل إليها المشروع بدلا من أن تضيع منك..
اقض الوقت الذي تحتاجه لدراسة قرارك، ثم خذ قرارا مدروسا لأن أحد طرق حياتك سيتحدد بناء عليه 💚🧡
Last Updated on 08-07-2020