من خصائص المشاريع الناشئة أنها تحتاج إلى تمويل كبير وبصفة متكررة، ففي البداية يستهلك النموذج الأولى للمنتج مبلغا من المال، ثم يتطلب التسويق له مبلغا آخر، ومع دخول المشروع في مراحل تطوير المنتج يتم استخدام مبلغ جديد، وعندما تدخل الأمور في الجد يحرق التسويق مبلغا كبيرا في تجربة أنواع التسويق المختلفة وفي تجربة العديد من شرائح المستهلكين (personas)، وهناك المبالغ التي تبدأ صغيرة وتكبر بسرعة إلى أن تصبح أكبر رقم في الشركة، وهي رواتب الموظفين الذين تستعين بهم الشركة تباعا..
لهذا ليس غريبا أن تكون أرقام التمويل كبيرة في هذا المجال، ففي المسرعات تحصل المشاريع على مبالغ من 500 ألف إلى مليون من المتوقع أن يتم إنفاقها في عام ونصف فقط، والمستثمرون الملائكيون يعطون مبالغ تزيد على ذلك، وفي المراحل المتقدمة تكون الأرقام أكبر بكثير ما دامت الشركات قد أثبتت فاعليتها وجدواها وتمكنها من النمو والنجاح..
ورغم ذلك تتوقف الكثير من الشركات نتيجة نفاد المال، فلا تتمكن من الاستمرار خاصة مع عدم إمكانية دفع الرواتب.. ونفاد المال في حد ذاته له أسبابه التي نحاول في النقاط التالية تلافيها..
اللي يحسب الحسابات في الهنا يبات
مع أن هذا الأمر يبدو بديهيا إلا أن عدم القيام به بشكل جيد يؤدي إلى نفاد الأمول قبل موعدها المتوقع مما يسبب توقف الشركة، فدائما ما تكون هناك بنود غائبة وبنود غير محسوبة بشكل صحيح، في مقدمتها الرواتب التي لا تكون واقعية نتيجة لقلة خبرة من يقوم بإعداد الملف، ومصاريف التسويق التي لا تأخذ في الاعتبار نقطتين: عدد التجارب المتوقعة للوصول إلى أفضل إعدادات للتسويق وزيادات أسعار الأعلانات المستمرة (ناهيك عن كونها غير صحيحة وقائمة على الافتراضات بدلا من الاعتماد على متخصص لتحديدها).. ومن جهة أخرى قد يغفل من يقوم على إعدادها إضافة نسبة كعامل أمان..
Bootstrap
مرحلة البداية لها مفرداتها المختلفة عن المراحل التالية التي يكون فيها المشروع قد تطور ونما ووصل إلى المرحلة التي يمكن عندها تشغيله كشركة مستقرة، في مرحلة البداية انتبه لكل مبلغ من المال متاح لديك، ضع ما يمكنك وضعه من مدخرات في المشروع أنت وشركاؤك (هذا بالمناسبة يعطي رسالة إيجابية للمستثمر المستقبلي)، أجّر كل ما يمكنك تأجيره بدلا من شرائه، شارك مقدمي خدمات بدلا من توظيف من يقوم بتقديم الخدمة عندك، لأن التكلفة في البداية ستكون كبيرة عليك في الحالة الثانية لعدم وجود حجم عمل كاف، تبادل الخدمات مع مشاريع وشركات أخرى بحيث تقدم لهم ما يمكنك عمله وتأخذ منهم ما يمكنهم عمله دون تعامل مالي، احصل على التغطية الإعلامية المجانية التي يمكنك الحصول عليها سواء بالمشاركة في المسابقات أو بنشر مقالات في مواقع إخبارية، وقدم أي خدمات تكون متمكنا منها بمقابل مادي بجوار مشروعك لتوفر دخلا يمكنكم من الاستمرار (بشرط ألا يؤثر ذلك على المشروع).
إذا لم تجمع رأس المال المطلوب كله فلا تبدأ!
من الأخطاء الشائعة قبول المشروع لتمويل أقل مما يحتاجه، ظنا من القائمين عليه بأن بإمكانهم تحقيق النتائج ذاتها بهذا التمويل، في حين يؤدي ذلك إلى عملهم بعقلية الندرة التي تضع حدودا على طريقة تفكيرهم وطريقة إدارتهم للمشروع، ويؤدي إلى عدم توافر رأس مال يتمكن المشروع من تنفيذ خطة العمل الخاصة به عن طريقه.. لذلك فنصيحتي هي: لا تبدأ على الإطلاق إذا لم تجمع المبلغ المطلوب لتنفيذ مشروعك..
مشروعك لا يقبل الري بالتنقيط!
هذه النقطة البريئة هي في الواقع شريرة، صحيح أن المستثمر لن يخل باتفاقه، صحيح أنه سيدفع كل ما تعهد به، لكن قيامه بعمل ذلك على أقساط صغيرة يضع العاملين في المشروع (أو مؤسسه على الأقل) تحت ضغط نفسي “إضافي” لم يكن في حاجة إليه، فهو من جهة متوتر لقرب انتهاء كل قسط استلمه وأنفقه، ومن جهة أخرى متوتر لاحتمال عدم تمكن المستثمر من الوفاء بالتزامه، مما يؤدي إلى عدم تمكنه من القيام بعمله على الوجه الأكمل.. كذلك يسبب الدفع بهذه الطريقة إدارة المشروع بعقلية الندرة فتكون الطموحات محدودة والتنفيذ مقيدا.. من جهة ثالثة تعطي هذه الطريقة الفرصة للمستثمر للرجوع عن الاتفاق، وربما تظهر هدفه الأصلي مما فعله وهو أن يشتري جزءا صغيرا من الشركة ويبيعه لاحقا محققا أي مكسب ممكن..
“وإني عليه لقوي أمين”
كلما كان تنفيذ المشروع سائرا بشكل صحيح وسريع كان ذلك أفضل، ومشروعك يتكون منك ومن شركائك، فإذا كنتم أقوياء في مجالات تخصصكم كانت نتائج عملكم أفضل وأسرع، وتحاشيتم خسائر في المال وفي الوقت، والشيء نفسه إذا كنتم ملتزمين تبذلون ما اتفقتم عليه من جهد وتعطون المشروع وقته المطلوب.. أما غير ذلك فيعني إطالة مدة العمل بمستوى الإنفاق نفسه مما يضع المشروع في خطر نفاد المال..
لا تشتر الخيول قبل العربة!
ملاحظة: بذلت مجهودا لأضرب مثلا أفضل من هذا لكنني لم أتمكن من ذلك 🙂
إذا كنت ستعمل على نقل الناس في عربة تجرها الخيول فالمنطقي أن تعمل على إنشاء العربة ثم تشتري الخيول، أما إذا تصرفت بشكل مختلف واشتريت الأحصنة أولا فسيكون عليك الإنفاق على إطعام الخيول وعلاجها وتنظيفها ورعايتها، فإذا طالت المدة لأي سبب فهذا يعني أنك ستنفق المال على أشياء لا علاقة لها بمشروعك إلى أن ينتهي تماما!
أرجوك ألا تؤسس الشركة وتؤجّر المكتب وتوظّف الموظفين وتطبع المواد الدعائية قبل تنفيذ المشروع وتطوير المنتج!
شهران، ستة شهور، سنتان، …
شاهدت الكثير من المشاريع التي تتوقف بسبب الإنفاق على التنفيذ لمدة طويلة دون اكتمال المنتج، أو اكتماله لكن مع وجود مشاكل تقنية تمنع استخدامه والاستفادة منه.. يحدث هذا بسبب الاعتماد على شريك مسؤول عن التطوير لكنه غير متمكن أو غير متفرغ، أو بسبب الاستعانة بموظفين دون استكمال الهيكل الخاص بهم، أو الاستعانة بموظفين قليلي الخبرة، أو التعاقد مع شركة تنفيذ غير ذات كفاءة، أو أخذ قرار تحويل مسار التنفيذ إلى مشروع آخر أو جزء آخر من المشروع قبل إكمال العمل الأساسي، أو عدم إعداد ملف الطلبات الفنية بشكل كامل وواضح، أو طلب تعديلات باستمرار دون الانتظار لانتهاء التنفيذ الأولي..
الوعد المبدئي بإنشاء المشروع دائما شهران، بعدها يصبح 6 شهور، وبعدها تتتابع الأسابيع والشهور لتصل إلى سنتين (وهي أكبر مدة شاهدتها)..
افشل الآن!
عملك في المشروع قائم على التجربة والخطأ والاستفادة من الخطأ في إعادة التجربة وهكذا، وهذه الطريقة تكلف مالا بالطبع.. إذا استغرقت وقتا طويلا في كل تجربة فهذا معناه حرق الكثير والكثير من المال ووضع الشركة تحت تهديد انتهاء رأس المال، أما إذا اهتممت وأجريت التجارب وفشلت فدرست نتائجها سريعا وجربت مرة أخرى فسوف توفر المال اللازم لاستكمال العمل لاحقا، وقد تصل إلى طريقة العمل المناسبة في إطار الموارد الحالية المتاحة..
بع! بع! بع!
يجب أن تكون جريئا في التعامل مع العملاء، هذا الامر يحتاج إلى مناقشات ومواضيع مستقبلية لأنني ألاحظ تخوف المؤسسين من طلب المال من العملاء، فيفعلون ذلك في أضيق نطاق، ويبالغون في تقديم الخدمة والمنتج بالمجان.. صحيح أن الخصومات والهدايا وغيرها أمور هامة لتعريف السوق بالمشروع لكن يجب أن يكون هناك تأكيد لأهمية المشروع عن طريق تقديم خدماته بمقابل مادي ودراسة النتيجة، كذلك يفيد هذا في توفير مبالغ إضافية للمشروع مما من شأنه أن يطيل مدة عمله ويزيد من فرص نجاحه..
عين على الكاش
أبق عينك على رأس المال المتاح باستمرار، راقبه وتابع معدل إنفاقه، واهتم بأن تجهز نفسك للبحث عن تمويل جديد قبل 6 أشهر من انتهاء المبلغ الموجود بالشركة، فعملية البحث عن تمويل والبحث عنه طويلة ومليئة بالوعود والمواعيد والرفض والمجهود..
مع أن الأرقام التي تدخل في حيز الاستثمار كبيرة نسبيا إلا أن المشاريع الناشئة تحتاجها وبقوة، لهذا فإن دورك الأساسي كمدير للمشروع هو أن تحرص على حسن استغلاله وتحافظ عليه، فهو بمثابة الهواء للمشروع، لن يستمر على قيد الحياة بدونه..
Last Updated on 08-07-2020