في لقاء تليفزيوني أول أمس (لم يذع بعد) سألتني المذيعة:
– بما أنك قد بعت عدة شركات من قبل، ما الذي يجعلك تقرر أن الوقت مناسب للبيع؟ لماذا لا تحتفظ بالشركة وتستمر في تطويرها؟
– هذا سؤال مهم وفيه بعض التفاصيل. هناك عدة نقاط متعلقة بالموضوع.
أولا: مرحلة الشركة في حياتها
الشركات -شأنها شأن الناس والحضارات وغيرها- تمر بمراحل، بعد مرحلة الإنشاء تمر بمرحلة النمو وتكبر لتصل إلى مرحلة النضج والاستقرار وبعدها الهبوط، حتى جيف بيزوس مؤسس أمازون قال في تصريح له منذ فترة “كل الشركات ستتصل إلى مرحلة الهبوط حتى أمازون، ما نفعله هو تأجيل هذه المرحلة قدر الإمكان”.
لهذا فعندما تصل الشركة إلى مرحلة النضج حيث يصبح السوق متشبعا والمنافسة زائدة وتثبت معدلات النمو عند أرقام صغيرة (أو تقل) إما أن يكون لديك خطة لاستعادة مرحلة النمو أو لا، إذا كانت هناك خطة فقد يفيد ذلك الشركة لتستمر قوية وقد تسعى للعثور على مستثمر يموّل التطويرات ويسهم فيها، وإلا فهذا هو الوقت الأمثل للبيع، حدث هذا معي في واحدة من الشركات.
مما يمكن عمله لمساعدة الشركة على الاستمرار: تطوير نموذج العمل وطريقة الربح لتصبح هناك موارد جديدة للدخل، إضافة منتجات أو خدمات جديدة مناسبة للجمهور الحالي للشركة، إدخال تطويرات وتعديلات على المنتجات والخدمات بما يناسب جمهورا جديدا يمكن إقناعه بالتعامل مع الشركة، تطوير نظام العمل بالشركة ونظام البيع بالاعتماد على التقنية لتوسيع الانتشار وتقليل التكلفة والاستثمار في الابتكار، الخ.
ثانيا: ظروف الشركة المادية والتشغيلية
وجود الشركة وحجمها واستمرارها في العمل وشهرتها كل هذا لا يعني بالضرورة أنها في وضع مالي جيد، بالعكس من العادي أن تجد مشاكل متعلقة برأس المال التشغيلي المطلوب للإنفاق الشهري (وذلك له عدة أسباب)، وفي بعض الأحيان يكون أمامها شهور محددة وقد تضطر للإغلاق إلا إذا تم إقناع مستثمر لتمويلها.
كذلك من الممكن أن تكون بها مشاكل إدارية أو تشغيلية من أي نوع، فليس كل المديرين بارعين في كل الشركات، والتفاصيل الكثيرة جدا يؤدي عدم الاهتمام بها إلى عدم سير الشركة بشكل أمثل.
في هذه الحالة يكون البيع قرارا سهلا، وتكون مسؤولية المستثمر الراغب في الاستحواذ على الشركة إعادة تخطيطها وهيكلتها وضبط عملياتها بما يتيح لها العمل بشكل أكثر كفاءة. بعت شركة بعد ستة أشهر فقط من إطلاقها لهذا السبب.
ثالثا: قيمة الصفقة وطريقة سدادها
عندما تعمل الشركة جيدا وتنمو تدريجيا لتصل إلى مرحلة يمكنك جني ثمار تعبك فيها يمكنك أن تشعر بتأثير ذلك على حياتك ومحيطك، فتعيش بطريقة أفضل نسبيا وتصبح العديد من الأشياء متاحة لك، إلا أن الدخل الشهري نادرا ما يمكّنك من تغيير حياتك بشكل كبير: الانتقال بالسكن إلى منطقة راقية، شراء سيارة فارهة، إدخال الأبناء إلى مدارس خاصة مستواها عال، وهكذا.
لهذا تكون قيمة صفقة الاستحواذ عاملا مهما في عروض المستثمرين، إذا كانت القيمة محدودة بحيث يمكنك الحصول على مثل قيمتها خلال ثلاث سنوات (وهي مدة قصيرة) فهذا يعني أنك ستخسر الأرباح المستقبلية التي من المتوقع أن تستمر بعد السنوات الثلاث، فلماذا لا تنتظر وتستمر كما أنت وتحصل على المكاسب المتوقعة؟
أما إذا كانت القيمة كبيرة للدرجة التي تضطرك للانتظار خمسة عشر سنة أو عشرين سنة لتجميع قيمة مثيلة لها فغالبا ما يكون هذا سهل الإقناع، ستبيع وتغيّر حياتك الآن بدلا من الانتظار لهذه المدة الطويلة. وقد حدث هذا أيضا معي في إحدى الشركات.
العامل الثاني هو طريقة سداد القيمة، بعض المستثمرين يتذاكون ويستغلون عدم خبرة الشباب من أصحاب الشركات، فيعرضون عليهم مبالغ معقولة بطريقة سداد غير معقولة، مثلا يتم سداد ثلث قيمة الصفقة الآن ثم يتم توزيع الباقي على خمسة سنوات، ويعتمد هؤلاء على أنهم لن يدفعوا المبالغ المتبقية من جيوبهم وإنما من حصة أرباحهم في الشركة! تعرضت لهذا الموقف وكان لي “موقف” مع من اقترح هذه الطريقة عليّ.
رابعا: شركاء رأس المال المخاطر
عندما يدخل شركتك تمويل من نوعية رأس المال المخاطر (venture capital) سواء من مستثمرين ملائكيين أو شركات استثمار فهذا يعني أن البيع مكتوب على الشركة ولا ينبغي أن يتأخر كثيرا، وذلك لأن هؤلاء المستثمرين لا يحصلوا على عائد استثمارهم بطريق الأرباح السنوية المعروفة، وإنما بأرباح رأس المال الذي دخلوا به التي يمكنهم الحصول عليها عند بيع الشركة فقط (أو نزولها إلى البورصة).
…
قرار البيع ليس سهلا في البداية لارتباط المؤسس بشركته، كنت دائما أقول عن كل شركة “إنها ابنتي” “إنها أنا”، لكن مع الوقت يتدخل المنطق وتتدخل المعادلات لتوضح الطرق البديلة في الحياة: يمكنك أن تبيع الشركة وتنشئ شركة أخرى في مجال آخر مستقبلا! يمكنك أن تبيع الشركة وتستثمر المال في أوعية استثمارية تدر عليك أرباحا وتجعلك تعيش فترة جيدة للنقاهة يمكنك بعدها الاستمرار في المغامرات.