وقع بينه وبين صديقه سوء تفاهم سخيف بسبب اختلاف الطباع، وعندما تدخّل البعض للإصلاح بينهما سأله أحدهم السؤال التقليدي الذي يستخدم لتحنين القلوب وتطييب الخواطر:
- أمن المعقول أنك لا تعترف له بأي مزايا ولا تتذكر أي معروف قدمه لك؟!
- بل العكس، فيما عدا مواقف الخلاف البسيطة لا أذكر له إلا كل خير ولا أحمل له إلا كل عرفان بالجميل، فله عليّ من الفضل كذا وكذا، وله عليّ من المعروف كذا وكذا، وأنا أتعلم منه كذا وكذا، وأعرف أنه أسرع من يهب لنجدتي إذا احتجت شيئا.
- 😳
- لا أقصد إفساد ما بينكما، لكن فضولي يدفعني للسؤال: ما الذي يدفعك للاعتراف بمزاياه رغم خصامكما؟
- هذا لأنني لم أعد طفلا 😄 الطفل يتعامل مع غيره بمنطق “ما دمت تتصرف بشكل جيد معي الآن فأنت طيب وأنا أحبك” و”ما دمت تتصرف بشكل سيئ معي الآن فأنت سيء وأنا أكرهك”، فهو يختزل الحكم على الأشخاص بالموقف الحالي.
أنا أدرك أننا كلنا ناقصون، بعيدون عن الكمال، لكل منا سلبياته وعيوبه وكل منا يتغير مع الوقت، أنا هكذا وأنت هكذا، إذا بدأنا نحكم على بعضنا البعض بأننا سيئون وأشرار بسبب سلبية أو اثنتين لدى كل منا فسنتحول إلى شياطين.
الإنصاف يقتضي ألا أغفل ما أعرفه عنه من مزايا وألا أترك ضيقي منه يغير معرفتي تلك أو يخبئها عنك إذا سألتني. - وكيف تتذكر كل المواقف الطيبة رغم أن الإنسان بطبعه يتذكر نهايات الأشياء وأواخرها أكثر بكثير من غيرها (ما يدعى recency effect)؟
وآخر ما بينكما لم يكن طيبا؟ - هناك سر لهذا 😉
مما تعلمته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمدح أهل الفضل إذا جاء ذكرهم أمامه، ويثني عليهم إذا حدث موقف يستدعي ذلك، فحرصت على ذلك في حياتي، ولم أترك شيئا يستدعي الشكر لأحد إلا شكرته عليه بوضوح، ولم أفوّت موقفا يمكنني فيه أن أثني عليه أمام أحد إلا فعلت وذكرت التفاصيل.
مع الوقت فوجئت بالنتيجة التي تعجبت أنت لها الآن، وجدت أنني لا أنسى فضل من يحسن إليّ مهما طال الزمن ومهما تغيرت النفوس، شكري له وثنائي عليه يثبّت لديّ معروفه الذي قدمه لي، ويساعدني في أن أتذكر رصيده الطيب عندي. - صلى الله عليه وسلم.
فهمتك..
أنت تقصد مثلا ثناءه على السيدة خديجة (تقول السيدة عائشة “ما غرت للنبي صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما غرت على خديجة، لكثرة ذكره إيّاها”)
وسيدنا أبي بكر (“إن من آمَنِ الناسِ عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته”)
والأنصار (“أمَا والله لو شئتم لقلتم فلَصَدَقْتُم وصُدِّقْتُم: أتيتنا مُكذَّبًا فصدقناك، ومَخذولاً فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلاً فأغنيناك”) - بالضبط، وهناك حديث يوضح ذلك:
“من أُتِيَ إليه معروف فلِيكافئ به،
ومن لم يستطع فليذكرْه ،
فإن من ذكره فقد شكره”
فمجرد ذكرك للمعروف شكر لصاحبه، وإذا فعلت ذلك أعانك الله على تذكره وقت الاحتياج إليه لتتنازل وتصفو وتصفح.