في عالم الأعمال، قد يبدو الحديث عن “تضارب المصالح” أمرًا تنظيريًا أو بعيدًا عن الواقع اليومي، لكنه في الحقيقة من أكثر الأمور التي تهدد كيان الشركات والعلاقات المهنية بين الشركاء والموظفين، لاحظت في استشاراتي الأخيرة أنني كثيرًا ما أكرر عبارة: “هذا تضارب مصالح” أو “احذر، هذا تعارض مصالح”. ووجدت أن الوقت قد حان لشرح هذا المفهوم بشكل واضح حتى يصبح ضمن وعي كل من يعمل في الشركات أو يسعى لبناء عمل احترافي.
ما هو تضارب المصالح؟
ببساطة، تضارب المصالح يحدث عندما تتقاطع مصلحتان في موقف واحد بحيث يصعب أن تتحققا معًا، يكون الصراع عادة بين مصلحة الشركة كمؤسسة (المصلحة الكبرى) ومصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة، مصلحة الشركة تشمل تحقيق الأرباح، تقليل التكاليف، ضمان الجودة، حماية السمعة، والنمو المستدام، أما المصلحة الشخصية فقد تكون مالًا، ترقية، منصبًا، نسبة من الأرباح، أو حتى منفعة تعود على صديق أو قريب.
حكم تضارب المصالح
تغليب المصلحة الشخصية يصل في كثير من الأحيان إلى الحرمة، وذلك لأن تضارب المصالح يتصل غالبًا بمسائل حقوق وعدالة، وأحيانًا يصل إلى الكسب غير المشروع أو الإضرار بالغير عمدًا أو إخفاء معلومة جوهرية، وفي الشريعة الإسلامية تعتبر قاعدة “لا ضرر ولا ضرار” حاكمة لهذه الأمور.
كيف أعرف أنني في موقف تضارب مصالح؟
هناك إشارتان مهمتان:
- الانزعاج لو فعل غيرك الشيء نفسه: إذا تخيلت أن مديرًا آخر في نفس مستواك اتخذ قرارًا معينًا يعود عليه بالنفع الشخصي، هل ستشعر بأنه تصرف غير مهني وأن هذا حقه؟ إن كانت الإجابة نعم، فقد تكون أنت أيضًا في موقف مشابه.
- الحيرة عند اتخاذ القرار: إذا وجدت نفسك مترددًا بين مصلحة الشركة ومصلحة تعود عليك، فاعلم أنك في موقف يحتاج مراجعة، تذكر حديث “والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس”
إذا دخل في نفسك شيء من الشك فاستشر خبيرًا نزيهًا، فهو قد يرى الزاوية التي تعجز أنت عن رؤيتها بسبب ارتباطك العاطفي بالموقف.
أمثلة على تضارب المصالح
- مدير مشتريات يأخذ عمولة أو رشوة من مورد: هذه الحالة واضحة. المصلحة الشخصية (المال) تقابلها مصلحة الشركة في أفضل سعر وجودة. حتى لو كان المورد جيدًا، مجرد أخذ المال يُعد تضاربًا في النزاهة وحرام.
- إنشاء شركة موازية باسم قريب: كشريك أو مدير، لا يصح أن تنشئ شركة باسم زوجتك أو أخيك وتتعاقد معها شركتك الأصلية. حتى لو قدمت سعرًا جيدًا، فإن وجود علاقة غير معلنة يُفقد الشركة مصداقيتها وحياد قراراتها.
- توظيف شخص غير مؤهل بسبب صلة قرابة: الضغط لتوظيف قريب دون كفاءة، يُهدر فرصة على مرشح أفضل، ويُضعف بيئة العمل.
- إنشاء مشروع منافس سرًا: أن يقوم أحد الشركاء بإنشاء مشروع مشابه يستهدف نفس العملاء، بدعوى أنه في سوق مختلف أو دولة أخرى، دون تنسيق مع بقية الشركاء، هو تضارب صارخ في المصالح.
- إخفاء معلومة تؤثر على الشركة: شريك يعلم أن مستثمرًا مهتمًا بشراء الشركة، فيخفي المعلومة ليشتري حصص زملائه بسعر منخفض، هذا ليس فقط تضارب مصالح، بل خيانة للأمانة.
- المبالغة في تقييم الشركة أمام مستثمر جديد: رفع تقييم الشركة دون مبرر حقيقي لإقناع مستثمر بالدخول بقيمة أكبر مما تستحق الشركة فعليًا، يضر بالمستثمر، ويُعد تضليلًا مقصودًا.
حل تضارب المصالح
- الوضوح والمصارحة: إذا كنت في موقف فيه مصلحة شخصية، صرّح بها وناقشها علنًا، وهذا بالمناسبة مطلوب بحكم القانون.
- التفويض أو الامتناع: إذا كان القرار متعلقًا بك، فالأفضل أن يُحسم من جهة أخرى.
- إنشاء سياسات داخلية واضحة: كل شركة تحتاج إلى حوكمة داخلية تُعرّف تضارب المصالح وتوضح طريقة التعامل معه، والجزءان الأساسيان من الحوكمة هما عقد الشراكة (ومن الممكن أن يلحق به ملف سياسة تضارب المصالح ليحدد معايير التضارب) وكذلك مجلس الإدارة.
ختاما
تضارب المصالح ليس مسألة هامشية، بل من أكبر التهديدات التي قد تفتك بثقة الشركاء ببعضهم، أو بثقة المستثمرين بالشركة، أو حتى بثقة الموظفين في بيئة العمل، النية الطيبة لا تكفي وحدها. والمواقف التي نظن أنها بسيطة قد تتحول إلى كوارث إذا لم نحتكم إلى مبدأ العدالة والنزاهة.
اجعل شعارك في العمل: لا ضرر ولا ضرار. ووازن بين المصلحة الشخصية والعامة، ولا تخجل من سؤال أهل الخبرة، فالثقة تُبنى بمرور الوقت، وتنهار بلحظة تضارب مصالح واحدة، وللمزيد عن هذا الموضوع بالتفصيل راجع الفيديو التالي: تضارب المصالح على قناة خضر وبزنس.