موانع المنافسة (defensibility): كيف تحمي شركتك من متغيرات السوق والمنافسين

من أهم عوامل النجاح لأي شركة في السوق قدرتها على بناء “موانع منافسة” تحميها من دخول منافسين جدد أو تقلل من قدرتهم على التأثير فيها. موانع المنافسة هي النسخة المتقدمة من المزايا التنافسية، لكنها ليست مجرد ميزات، بل أنظمة أو آليات تجعل من الصعب على الآخرين تكرار نجاحك أو مجاراتك.

هي أشبه بخنادق تحيط بالقلاع. الشركات الناجحة تبني هذه الخنادق تدريجيًا، حتى تصبح في موقع يصعب على الآخرين تهديده، حتى لو امتلكوا رأس المال أو الكفاءة أو الرغبة في المنافسة.

تأثير الشبكة (Network Effect)

كلما ازداد عدد مستخدمي الخدمة، ازدادت قيمة الخدمة لكل مستخدم. هذا ما نراه بوضوح في تطبيقات مثل واتساب، فيسبوك، تويتر، تيك توك، وغيرها. قيمة واتساب الحقيقية ليست في خصائصه، بل في وجود الناس عليه. لو فكرت في استخدام بديل عنه، مثل سيغنال أو تيليغرام، أول ما يخطر في بالك: هل الناس موجودة عليه؟

شركة مثل Airbnb، كلما زاد عدد المضيفين زادت الخيارات أمام الضيوف، وكلما زاد عدد الضيوف زادت الحوافز لأصحاب العقارات لعرضها على المنصة. وهكذا تدور العجلة.

في بعض الحالات، يكون تأثير الشبكة موضعيًّا أو جزئيًّا، لكنه يظل فعالًا. مثلًا، شركة تقدم نظامًا لإدارة العيادات، كلما انضم إليها أطباء أكثر، زاد احتمال انضمام معامل التحاليل وشركات التأمين والصيدليات، لأنها ترى وجود عدد كبير من العملاء على نفس النظام.

المفتاح في بناء هذا التأثير هو: كيف تجعل كل عميل جديد يزيد من قيمة الخدمة للعملاء الآخرين؟

الوصول إلى تمويل دائم

واحدة من أقوى موانع المنافسة في الشركات الناشئة هي توفر التمويل المستمر، خاصة لو كان مرتبطًا بشبكة من المستثمرين أو الحاضنات أو الجهات الداعمة.

في كثير من الأحيان، تفشل شركة ممتازة ليس لأنها ضعيفة، بل لأنها لم تستطع الصمود ماليًّا حتى تثبت نفسها. والعكس صحيح: شركات ضعيفة نجت فقط لأنها امتلكت تمويلًا يُمكنها من التجريب والانتشار وتغطية الخسائر المؤقتة.

شركة مثل Uber لم تكن أول من قدّم خدمة حجز السيارات، لكنها كانت من أول من حصل على تمويل ضخم مكّنها من الدخول بقوة في أسواق متعددة، رغم خسائرها الكبيرة في السنوات الأولى.

سر الصنعة (Trade Secrets)

هذه ميزة تاريخية، لكنها ما زالت فاعلة. سر الصنعة ليس مجرد كود تقني أو وصفة طعام، بل قد يكون أسلوبًا إداريًّا، أو قاعدة بيانات حصرية، أو خوارزمية خاصة.

شركة مثل Coca-Cola لم تسجل تركيبتها كبراءة اختراع، لكنها احتفظت بها سرًّا داخليًّا. والسر هنا ليس فقط في التركيبة، بل في إدارة سلسلة التوريد، ونظام التوزيع، وطريقة الانتشار.

كذلك، شركات البرمجيات قد تحتفظ بطريقة معينة في هيكلة الكود أو إدارة البيانات تُكسبها كفاءة عالية، دون أن تُفصح عن ذلك.

الاسم التجاري (Brand)

القيمة الذهنية التي يحملها العميل عن اسم الشركة تمثل مانعًا نفسيًّا قبل أن يكون تسويقيًّا. العملاء يثقون في أسماء معينة، حتى لو وُجد بديل أرخص أو أفضل.

شركة مثل LG تبيع الأجهزة الكهربائية بأسعار عالية، لأن اسمها يُعبّر عن جودة عالية وتصميم مميز. وشركة مثل Apple تربط اسمها بالأناقة والتكامل والجودة، ما يجعل عملاءها أقل ميلًا لتجربة بدائل.

البراند القوي يُبنى مع الوقت، وعبر تراكم التجارب الإيجابية، وخدمة ما بعد البيع، والانطباع العام.

الحجم (Economies of Scale)

الشركات الكبيرة تشتري بسعر أقل، وتوظف بكفاءة أعلى، وتوزع التكلفة على عدد أكبر من الوحدات، وبالتالي تستطيع المنافسة سعريًّا دون أن تخسر.

من الأمثلة على ذلك: الشركات الكبرى في بيع التجزئة مثل Walmart وCarrefour. تستطيع هذه الشركات التفاوض على أسعار تفضيلية من الموردين، لأنها تشتري بكميات ضخمة، مما يُصعب على الشركات الصغيرة أن تنافسها.

الشراكات الحصرية أو التحالفات الاستراتيجية

أن تكون لديك اتفاقيات حصرية مع مورد أو موزّع أو منصة معينة، هذا يمنحك تميزًا يصعب تكراره.

مثلًا، عندما تكون الشركة الوحيدة المصرح لها ببيع منتج معين في منطقة معينة، أو الوحيدة التي تملك الحق في توزيع محتوى معين، أو التي لديها امتياز خاص.

هذا يتطلب ذكاء تفاوضيًّا وقدرة على بناء علاقات طويلة الأجل.

حقوق الملكية الفكرية (IP)

براءات الاختراع، التصاميم، النماذج الصناعية، حقوق النشر، كلها أدوات قانونية تمنح الشركة تفوقًا مؤقتًا يمنع الآخرين من التقليد.

صحيح أن تطبيق هذه الحقوق يختلف بحسب الدولة ونضج النظام القضائي، لكنها تبقى أداة فعالة، خاصة في الأسواق المتقدمة.

تكلفة التحول (Switching Cost)

بعض الخدمات والمنتجات، يكون الخروج منها صعبًا. إما بسبب الاعتياد، أو تراكم البيانات، أو التكامل مع أنظمة أخرى.

شركة مثل Salesforce تبني نظامًا معقدًا لإدارة العلاقات مع العملاء، وربط العمليات والمبيعات والتسويق. مجرد التفكير في الانتقال منها إلى نظام آخر قد يُسبب صداعًا كبيرًا للشركة.

هذا لا يعني أن العميل مأسور، لكن التكلفة العقلية والعملية للتحوّل تصبح عائقًا أمام الانتقال.

الختام

موانع المنافسة ليست رفاهية، بل ضرورة. هي لا تُغني عن تقديم خدمة ممتازة أو منتج قوي، لكنها تمنحك فرصة للبقاء في السوق دون أن تُطاردك نسخ مكررة من فكرتك. ابدأ ببناء واحدة أو اثنتين منها، وراقب كيف يزداد استقرارك وثقة عملائك. في عالم يتغير بسرعة، الشركات التي تملك دفاعات قوية هي التي تستمر.

هذه المقالة ملخص قصير لأهم ما جاء في فيديو موانع المنافسة على قناة خضر وبزنس في يوتيوب.

نقدم في "خضر وبزنس" استشارات في:

د. محمد حسام خضر خبير الإدارة والاستثمار ومؤلف كتاب "رائد الأعمال Inside Out"، أسس العديد من الشركات في مجالات مختلفة منذ 1997، وأسهم في إنشاء الكثير منها وتمويلها وبيعها، ويقدم الاستشارات للشركات التقليدية والريادية منذ 2018.

احجز جلستك معنا عن طريق واتس اب أو الإيميل من هنا: اتصل بنا.

FacebookTwitterLinkedInYouTubeWhatsApp