من أكبر الأخطاء التي يقع فيها كثير من رواد الأعمال أنهم يبدؤون تنفيذ مشروعهم قبل أن يختبروا السوق. أعني بذلك “اختبار السوق” أو ما يُعرف بـ Validation. هذه الخطوة تُعد من أهم مراحل بناء أي مشروع ريادي، بل إنها في كثير من الحالات أهم من تنفيذ المشروع نفسه.
لماذا؟ لأن تنفيذ مشروع قبل التأكد من وجود حاجة حقيقية له، يشبه من يبني بيتًا على أرض لم يتحقق من ملكيتها أو صلاحيتها للبناء.
الفرق بين دراسة السوق واختبار السوق
في المشاريع التقليدية مثل السوبر ماركت أو شركات الاستيراد أو مكاتب التدريب، لا نحتاج إلى اختبار السوق بمعناه الريادي، لأن هذه النماذج جُرّبت آلاف المرات. نحتاج فقط إلى دراسة سوق لمعرفة حجم الطلب والمنافسة والأسعار. أما المشاريع الريادية الجديدة، فهي قائمة على افتراضات: أن هناك مشكلة موجودة، وأن هناك جمهورًا يعاني منها، وأن حلك لهذه المشكلة مناسب، وأنهم سيدفعون مقابله. كل هذه افتراضات تحتاج إلى اختبار.
أسئلة اختبار السوق
أولاً: هل المشكلة حقيقية؟
رؤيتك لمشكلة ما لا تعني بالضرورة أنها موجودة عند الناس أو أنهم يشعرون بها. يجب أن تخرج وتسأل جمهورك: هل تعانون من هذه المشكلة فعلًا؟ كيف تتعاملون معها الآن؟ هل يرضيكم الحل الحالي؟
تذكر: كثير من الشركات الناشئة فشلت ببساطة لأن الناس لم تكن بحاجة إلى المنتج من الأساس.
ثانيًا: هل الحل مناسب؟
حتى لو كانت المشكلة حقيقية، فالحل الذي تقدمه قد لا يكون مناسبًا. وهنا نصل إلى مفهوم Problem-Solution Fit أي التوافق بين المشكلة والحل. اسأل الناس عن فكرتك: هل ستستخدمون هذا التطبيق أو هذا المنتج لحل مشكلتكم؟ هل ترونه مفيدًا؟ سهلًا؟
ثالثًا: هل سيدفع الناس؟
هنا مربط الفرس. الناس قد يبدون حماسًا للفكرة، لكن هل سيدفعون مقابلها؟ المستثمر لن يقتنع بجمهور كبير ما لم يرَ أن هذا الجمهور يدفع. لا تسأل الناس إن كانوا سيدفعون. الأفضل أن تعرض عليهم الخدمة فعلًا وتطلب المقابل.
رابعًا: هل سيطلب الناس مرة أخرى؟
في بعض المشاريع لا يكفي أن يطلب الناس الخدمة/المنتج فقط، بل نحتاج إلى معرفة ما إذا كانوا سيعودون للطلب مرة أخرى أم لا، غالبا ما نفعل هذا في المشاريع التي ترتفع تكلفة اجتذاب العميل فيها بشكل واضح عن الدخل المحقق بواسطته، وكذلك في المشاريع التي نشك في جدوى فكرتها في البداية.
متى نختبر السوق؟
في البداية، قبل إطلاق المشروع. هذا واضح. لكن حتى بعد انطلاق المشروع، عندما تريد إدخال ميزة جديدة أو تعديل في النموذج، تحتاج إلى اختبار جديد. مثلما تفعل فيسبوك حين تختبر ميزات جديدة على عينة من المستخدمين قبل تعميمها.
أفضل طرق اختبار السوق
1. تقديم الخدمة يدويًا
أفضل وأسلم طريقة لاختبار السوق هي تنفيذ المشروع يدويًا بأقل الإمكانات. مثلًا، بدلًا من بناء منصة للربط بين الطلبة والمدرسين، أنشئ مجموعة واتساب، اجمع فيها المعلمين المهتمين، واعرض عليهم الخدمة. اجمع الطلبة في مجموعات أخرى، وابدأ توصيلهم بالمدرسين، وخذ مقابلًا بسيطًا. جرّب مرة واثنتين وثلاثة، واختبر كل عنصر في النموذج. حين ترى أن هناك من يدفع، ومن يقدم الخدمة، وأنها تعمل فعليًا، يمكنك التوسع بأمان.
2. استطلاع الرأي أو المقابلات
الطريقة التقليدية، لكنها مفيدة إن أحسنت استخدامها. لا تسأل الناس: هل عندك مشكلة؟ هل ستستخدم الحل؟ هل ستدفع؟ لأن الإجابات لن تكون صادقة دائمًا. اسألهم: كيف تتعامل مع هذه المشكلة حاليًا؟ ما أكثر ما يضايقك؟ هل جربت حلولًا أخرى؟ ما رأيك فيها؟ ثم استنتج من إجاباتهم إن كان هناك فعلاً ما يستحق الحل.
3. اختبار الدخان (Smoke Test)
أن تصمم صفحة ويب أو إعلانًا يُوحي بأن الخدمة قائمة، وتطلب من الزوار التسجيل أو التفاعل، ثم تخبرهم لاحقًا أن الخدمة لم تُطلق بعد. هكذا تقيس حجم الاهتمام الحقيقي، وتجمع بيانات لمن يرغب في الخدمة. يمكنك أيضًا قياس أي الأزرار نُقِرَ عليها أكثر، أو أي الفيديوهات شُوهدت أطول. هذه إشارات قوية على اهتمام الجمهور.
الختام
اختبار السوق ليس رفاهية. هو ضمان أن تبدأ مشروعك على أرض صلبة. ليس من الحكمة أن تصرف المال والجهد على مشروع لا تعرف إن كان الناس يحتاجونه أو يريدونه أو سيدفعون مقابله. اختبر، افترض، صحح، وكرر. بهذه الطريقة تزيد فرص نجاحك، وتقلل خسائرك المحتملة.
وأذكّرك أن التحقق لا يعني الكمال، بل يعني أن تبدأ بداية ذكية.
والله الموفق.