كان عندي ٢٤ عاما ونصف العام بالتمام، وكانت قد فاتت سنة كاملة من سعيي في سبيل تحقيق حلمي: أن أنشئ شركة برمجيات خاصة بي لأحقق بها أحلام العملاء وأحول أفكارهم إلى واقع، لكن لم تكن لدي خبرة في التسويق أو البيع ولهذا لم نحصل إلا على عميلين اثنين فقط لم تكف المبالغ المحصّلة منهما للاستمرار أكثر من تلك المدة.
في غرفة غير مفروشة بمكتب شركتي تقوقعت على الأرض في وضعية الجنين محاولا تخفيف آثار قسوة القرار المحتوم بإغلاق الشركة مع نهاية الشهر، فقد كنت على شفا الانهيار النفسي بالفعل مع كل هذه الكلاب المسعورة التي تنطلق في رأسي مخرجة كل ما تعثر عليه من أفكار سلبية ومخاوف وتفاصيل للمصير الذي أتجه إليه، فكيف سيراني ويتعامل معي كل هؤلاء:
أهلي الذين طالما نصحوني بالعمل في وظيفة مضمونة ومستقرة، أصدقائي الذين رأوا في مبادرتي شجاعة كبيرة وتمنوا لو تمكنوا من تقليدي، الموظفون الذين صدقوا حلمي وأحبوني وعاونوني طوال الوقت، زملائي الذين انطلقوا في وظائفهم الهندسية فاكتسبوا عاما من الخبرة يمكنهم أن يبنوا عليه -بفخر واطمئنان- سيرهم الذاتية، قلبي الذي يأبى تصديق ما يحدث ويتصور أن هناك حلولا يجب أن يعمل العقل على إيجادها…
كنت أنظر إلى اللمبة الصفراء الشاحبة في السقف وأبكي، المشهد بائس، أبيت في المكتب منذ مدة محاولا العثور على حل ينقذ أحلامي أو يؤجل موتها، أن تضيع كل جهودنا وأن يتلقى حماسنا هذه الطعنة وأن يسقط طموحنا من فوق ناطحة سحاب فنشعر به طوال فترة سقوطه بكل ما فيها من رعب وألم، كنت أبكي وحدي.
(بعد أربعة أعوام)
تركت للتو آخر شركة من أربع أو خمس شركات عملت فيها بسبعة وظائف مختلفة، واكتسبت علاقات ومعارف وعلوما وخبرات واهتمامات مختلفة ومتنوعة، مررت بأوقات سعيدة وأوقات حزينة، اكتسبت خبرة حتى على المستوى النفسي والشخصي، وأتيح لي أن أعيد فتح شركتي “إنترنت بلس” ففعلت ذلك، لم أكن أعرف ما إذا كان هذا هو أفضل قرار في ذلك الوقت لكنني لم أكن قد تخليت عن حلمي ولا كان هو قد تركني طوال هذه السنين.
(بعد عامين)
شركتي الآن أشهر شركة في الوطن العربي، نفذنا مشاريع من ضمنها موقع أشهر ناد في السعودية (نادي الهلال) وأشهر مستشفى هناك (السعودي الألماني) وأشهر موقع إخباري (جريدة الرياض) وأشهر موقع إسلامي (إسلام ويب)، أضع على موقع الشركة بالإنترنت جملة لا زال بعض الناس يتذكرها الآن لغرابتها “نعتذر عن عدم قبول أعمال جديدة في هذه الفترة”، من المعتاد أن تجد من يسأل في منتدى من المنتديات “ما هي أفضل شركة بعد إنترنت بلس لأنهم لا يقبلون أعمالا جديدة الآن؟”، لكن لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد!
تمكنت من إنشاء أول شركة ريادية ناشئة في 2004 مع صديق عزيز، أنشأنا “بنت الحلال” لخدمة التوفيق للزواج أون لاين، خلال عامين فقط كانت قد حققت نجاحا كبيرا واشترتها شركة أردنية، بعدها بأشهر قليلة أنشأت “رتب” لأقدم للمواقع خدمة الإحصائيات (قبل أن يقدمها جوجل بسنوات)، ثم ألعاب شمس التي كانت أسرع شركة يتم بيعها لنجاحها الساحق (6 شهور)، وبعده بأشهر أخرى “فتكات” التي تحتاج إلى كتاب أدعو الله أن أتمكن من كتابته.
(الآن)
أقول هذا الكلام الآن وأنا أعرف أن هناك الكثير من الشركات العادية والريادية في العديد من المجالات التي لن تتمكن من الاستمرار في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، أريد أن أقول لأصحابها أنا أعرف ما تمرون به، أقدر ما تشعرون به وأنتم ترون أسوأ مخاوفكم يتحقق، وأفهم كيف تشعرون بتوقف الزمن عليكم وتستغربون استمرار الحياة لدى غيركم.
مما لا شك فيه أن كل الآلام والأحزان والصعويات الحالية ستزول، فقد مررتم في حياتكم بمواقف ظننتموها نهاية لحياتكم التي تعرفونها وتبين أنها كانت مجرد فواصل بين الفصول المختلفة.، أنتم تدركون هذا بالفعل.
لكن الأهم نقطتان:
1. في كل شيء يحدث لنا خارج استطاعتنا حكمة إلهية، هذه عقيدتنا، من الصعب -بل المستحيل- أن نعرفها الآن، اترك نفسك للفرص التي سيرسلها الله لك وسوف تدرك الحكمة بعد فترة، تأقلم وأنت راض وتأكد من النتيجة الرائعة. دائما ما يقول لي صاحبي مالك المدارس والشركات متعجبا: كان لابد أن يظلمني صاحب العمل فأستقيل لأعرف حكمة الله في أن أرى الفرص التي لم أكن في وضع يتيح لي مشاهدتها من قبل وأعرف إمكاناتي الحقيقية.
2. لا تتخل عن حلمك! انتهاء مرحلة ما في حياتك أو عملك لا يعني بالضرورة أن تتغير أحلامك وطموحاتك، أنت كما أنت، يوما ما قد تحين فرصة تحقيق حلمك، يوما ما قد تظهر لك فرصة أفضل بكثير فيتطور حلمك وتصبح أكثر سعادة وتمسكا به، يوما ما.. فقط إياك أن تعتبر أن إغلاق شركتك هو تخل عن حلمك.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
Last Updated on 08-07-2020