ماجستير إدارة الأعمال (MBA) من أكثر الشهادات التي تدور حولها تساؤلات: هل هو مفيد؟ هل يستحق الوقت والتكلفة؟ متى يصبح فعلاً استثمارًا ناجحًا في مستقبلي المهني؟
قبل فترة، كنت في جلسة استشارية مع أحد أصحاب الشركات، وبعد نهاية النقاش قلت له: “أظن لو أخذت MBA ستستفيد كثيرًا”. ابتسم وقال: “أنا بصراحة لا أشوف أنها فرقت مع الناس اللي أخذوها.. بعض أصدقائي معاهم MBA وأنا أفهم أحسن منهم!”
هذا التعليق لم يكن جديدًا علي، وسمعته كثيرًا من أصحاب خبرات عملية. وفعلاً، من المؤسف أن كثيرًا ممن يدرسون الـMBA لا يخرجون منها بفائدة حقيقية، إما بسبب الطريقة التي درسوها بها، أو لأن ظروفهم لم تكن مناسبة لها أصلًا.
أنا شخصيًا درست الـMBA في أكاديمية عادية، ومع أن بعض المواد لم تكن ثرية بالشكل الكافي، إلا أنني خرجت من البرنامج بتغيير جذري في طريقة تفكيري، وفهم أعمق للعلاقة بين عناصر العمل المختلفة، ورؤية أوسع للمشكلات التي أواجهها.
وما زلت أقول إن الفائدة ليست في المعلومة وحدها، بل في طريقة الربط بين المفاهيم، وفي فتح الأبواب التي كنت أجهل وجودها أصلًا.
فهل ماجستير إدارة الأعمال مفيد؟ الإجابة تعتمد على ثلاثة أمور رئيسية:
أولًا: ما هي الفوائد المتوقعة من الـMBA؟
- الحصول على الشهادة نفسها: في بعض الوظائف أو الترقيات، وجود شهادة MBA قد يكون شرطًا أساسيًا.
- اكتساب المعرفة: من خلال المواد النظرية التي تغطي جوانب متعددة في الإدارة، مثل التسويق، الحسابات، الموارد البشرية، سلاسل الإمداد، نظم المعلومات، الاقتصاد، وغيرها. بعض هذه المواد ربما يكون بعيدًا عن مجال عملك المباشر، لكن مجرد التعرض لها يفتح لك آفاقًا جديدة.
- الخبرة العملية: بحسب أسلوب التدريس وخبرة المحاضر، قد يحصل الطالب على معرفة تطبيقية من واقع السوق. بعض المدرسين كانوا مستشارين لشركات كبيرة، ونقلوا لنا أمثلة حية من تجاربهم.
- شبكة العلاقات: من أهم المكاسب، خصوصًا إذا كانت الدراسة حضورية. الزملاء والمدرسون قد يصبحون شركاء أو عملاء أو موردين مستقبليين. في دفعتي، مثلًا، كان معي مدير مبيعات في شركة دواء، ومديرة تسويق في شركة تقنية، واستفدت منهم في أكثر من مشروع لاحقًا.
- فهم أبواب العلم: قد لا تخرج من المادة خبيرًا، لكنك على الأقل ستعرف أن هناك شيئًا اسمه “تحليل السوق” أو “تقييم الشركات”، مما يسهّل عليك الرجوع لاحقًا لتعلّم التفاصيل.
ثانيًا: كيف تستفيد فعلاً من دراسة MBA؟
أغلب من لا يستفيد من الماجستير هم من اعتبروه مجرد شهادة. أما من يريد فائدة حقيقية، فعليه أن يفعل الآتي:
- تطبيق فوري: كل ما تتعلمه، حاول أن تطبقه في شركتك أو في شركة تعرفها. التطبيق هو ما يحوّل المعرفة إلى سلوك. شخصيًا، كنت أرجع من المحاضرة أفتح اللابتوب وأبدأ أطبق ما تعلمته في أحد المشاريع اللي أشتغل عليها.
- التوسّع الذاتي: لا تكتفِ بما يُقال في المحاضرة. خصّص وقتًا للبحث عن المفاهيم التي درستها، شاهد أمثلة، واقرأ آراء مختلفة. بعض الزملاء في دفعتي كانوا يراجعون ملخصات كتب شهيرة مرتبطة بكل مادة.
- استكشاف أعمق: بعض الطرق التي تُدرس قد تكون قديمة أو غير فعالة. بالبحث ستعرف ما يستخدم فعلاً في السوق. كنت ألاحظ مثلًا أن بعض النماذج التي ندرسها في التسويق غير مطبقة فعليًا في الشركات التي أتعامل معها.
- التفاعل مع الآخرين: تبادل الخبرات والنقاشات مع الزملاء والمدرسين يثري التجربة. في كثير من النقاشات داخل القاعة، كانت تخرج أفكار ومقارنات لا تجدها في الكتب.
ثالثًا: هل الـMBA مناسبة لك؟
الـMBA ليست مفيدة للجميع. هناك ثلاثة شروط رئيسية لتكون مناسبة لك:
- أن تكون لديك خبرة عملية لا تقل عن سنتين، ويفضّل خمس سنوات، في بيئة عمل حقيقية. أحد الزملاء معنا في البرنامج كان حديث التخرج، ولم يستفد كثيرًا لأنه لم يعايش بيئة العمل بعد.
- أن تكون قد توليت مسؤوليات إدارية فعلية: إدارة فريق، التنسيق مع أقسام أخرى، حضور اجتماعات إدارة، إلخ. هذه التجارب تساعدك على فهم ما يُطرح في البرنامج، وربط النظري بالعملي.
- أن تكون محتويات البرنامج مرتبطة بواقع عملك: إذا كانت شركتك لا تحتوي على وظائف مثل التسويق أو سلاسل الإمداد، فغالبًا لن تستفيد من تلك المواد. شخصيًا، استفدت أكثر من المواد المتعلقة بالاستراتيجية والتخطيط والتسويق، لأنها كانت تلامس عملي المباشر.
إذا لم تتوفر فيك هذه الشروط، فهناك بدائل مناسبة أكثر لك، مثل:
- دورات إدارة المشاريع (PMP): إذا كنت تعمل في إدارة أو تنسيق المشاريع فستتعلم الكثير عن إدارتها.
- كورسات متخصصة في مجالك: محاسبة، تسويق، سلاسل إمداد، إلخ.
- دبلومات إدارة الأعمال أو Mini MBA: تعطيك نظرة عامة بدون تكلفة أو جهد كبيرين.
خلاصة
الـMBA ليست شهادة سحرية، ولا طريقًا مضمونًا للنجاح. لكنها قد تكون تجربة تعليمية ثرية ومفيدة إذا أُخذت في التوقيت الصحيح، وبالأسلوب الصحيح، ومع الجهد المناسب.
لا تدرس الـMBA لأن الآخرين يدرسونها، ولا ترفضها لأنك رأيت من لم يستفد منها. قرّر بناءً على ظروفك، واحتياجاتك، واستعدادك للتعلم الحقيقي.