إذا سخّنت دلوا من الماء بواسطة سخان يعمل بالغاز، وسخّنت دلوا آخر بواسطة سخان يعمل بالكهرباء، ثم تركت الدلوين يبردان، فهل سيبردان في وقت واحد؟
إذا كان المنشور القديم (المتجدد كل فترة) الذي يطرح هذا السؤال قد مر عليك فسوف تكون إجابتك: لا، سيبرد الماء المسخن بالكهرباء في وقت أطول، وذلك لأن حرارة سخان الغاز هي sensible heat أما حرارة سخان الكهرباء فهي latent heat، وقد استخدم المنشور هذه “المعلومة” لطرح فكرة النتائج السيئة للصناعة السريعة للمدير والنتائج الجيدة للصناعة البطيئة له.
في الحقيقة هذه إجابة خاطئة مبنية على معلومات خاطئة، سيبرد الاثنان في وقت واحد، فليست للماء ذاكرة تخص طريقة تسخينه وتبريده، وإنما هي طاقة حرارية تنتقل منه إلى الجو المحيط نتيجة لفرق درجات الحرارة بغض النظر عن طريقة تسخينه والوقت الذي استغرقه ذلك، كما أن تعريف نوعي الطاقة خاطئ تماما كما سيتضح بعد قليل.
إلا أن هذا ليس سبب كتابتي لهذا المنشور، السبب هو أن هناك تناظرا أهم يعتمد على معلومة علمية صحيحة ومن شأنه أن يفيد مستقبلك المهني إن شاء الله.
هناك نوعان من الحرارة قد يكونان مرا عليك في المرحلة الإعدادية:
الأول هو الحرارة المحسوسة (sensible heat)، وهي الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة المادة وتسخينها.
والثاني هو الحرارة الكامنة (latent heat)، وهي الحرارة اللازمة لتغيير طبيعة المادة من جامد إلى سائل أو من سائل إلى غاز.
عندما تعمل كمبتدئ في وظيفة معينة فالمطلوب أن تتعرض للطاقة المحسوسة التي ترفع من مستواك في التخصص الذي تعمل فيه، كل يوم وكل موقف وكل خطأ وكل إنجاز كل ذلك يمثل ارتفاعا في مستواك وخبرتك في إطار التخصص.
بعد فترة من العمل واكتساب الخبرة تصبح في مفترق طرق:
إما أن يكون طموحك متعلقا بالتخصص نفسه فتصبح خبيرا فيه، تعلم من هم أقل منك، وتساعدهم، مع استمرارك في العمل بنفسك، وهنا لم تعد الطاقة المحسوسة تحدث فرقا معك، فدرجة خبرتك لن تزيد بشكل كبير مع استمرار تعرضك للمواقف المختلفة، وهذا أمر طبيعي.
أو أن يكون طموحك متعلقا بأن يكون لديك مشروعك الخاص، وهنا لن يفيدك استمرار تعرضك للطاقة المحسوسة وإنما تحتاج إلى النوع الآخر المسؤول عن تحويل المادة من طور إلى طور، وهو الطاقة الكامنة (latent energy).
هذا النوع من الطاقة ليس متوافرا في كل الشركات، ولهذا فمن الضروري أن تكون لك نظرة وأن تدرك ذلك جيدا، بعد فترة كافية من التعلم واكتساب الخبرة:
هل يوفر لك المكان الفرصة المناسبة للترقي والمسؤولية عن عدد من الناس؟ عن قسم ما؟
هل يتيح لك المشاركة في اجتماعات الإدارة حيث يمكنك أن تتعلم وتستفيد وبعد فترة تبدأ في الإفادة وفي المساهمة في تطوير العمل؟
هل تستفيد معلومات غير مرتبطة بتخصصك بشكل أساسي؟
هل تمر بتجارب تتعلق بإدارة الموارد والأفراد؟
هذا هو التطور الجديد المطلوب في مهاراتك وخبراتك لتصبح مؤهلا لأن يكون لديك مشروعك الخاص، عند درجة متقدمة من تخصصك الوظيفي تصبح المهارات والخبرات الإدارية -غير المرتبطة بدقائق تخصصك بشكل أساسي- مهمة وأساسية لتتحول أنت من موظف إلى مدير.
ما سبق يفسر نصيحتي لمن يسألني “هل ستفيدني MBA الآن؟” بأن يعمل في شركة تتيح له الفرصة ليصبح مديرا ويمر بالمواقف والتجارب التي تكسبه عقلية المدير قبل أن يتجه لاستكمال هذا المسار عن طريق الدراسة.
كما يفسر نصيحتي للشباب ممن يحبون البزنس وإدارة الأعمال ويسألون عن بداية الطريق بأن يعملوا في وظائف وبعد فترة يبحثوا عمن يوفر لهم فرصة الترقي ليمارسوا الإدارة ويتعاملوا مع الشركة ومع العمل بنظرة شاملة أكبر من النظرة الضيقة للموظف (دون تعجل للنتائج).