إذا كنت تريد أن تقلل من اهتمام المستثمرين بمشروعك، وأن تبعدهم عنه، وأن تجعلهم يكرهونه فهذا أمر صعب، لأن الأصل في المستثمر أنه يبحث عن الفرص الممتازة، ويقضي وقتا لا بأس به في دراسة المشاريع التي تعرض عليه، ولهذا فهو متشوق للتعرف عليك وعلى مشروعك.. لكن إذا كنت مصرًّا وتود أن تخوض التجربة لتجعل الأضواء الحمراء تضيء في عقله فيخاف من مشروعك ويفقد الاهتمام به ففيما يلي بعض النصائح التي يمكنك تحقيق ذلك عن طريقها:
اكذب
يبحث المستثمر فيك وفي مشروعك عن الاطمئنان في مقابل المخاطرة، وعن الربح في مقابل الخسارة، فإذا كذبت أو بالغت بشأن المعلومات (كالإحصائيات، والأرقام) أو الخطوات التي اتخذتها في مشروعك (كالتحقق من احتياج الناس له، وتنفيذ المشروع أو الإصدار الأول المحدود)، أو النتائج التي وصل إليها مشروعك (كالمبيعات، والمصاريف، والحصة السوقية)، أو الأحداث الهامة (كدخول وخروج شركاء مؤسسين، ودخول وخروج مستثمرين، وأرقام الاستثمار)، إذا كذبت في أمور كهذه وتمكن هو من اكتشافها سواء بفراسته في قراءة الناس (والكثيرون من المستثمرين يمتلكونها)، أو بخبرته في الأعمال بشكل عام ومجال المشروع بشكل خاص، أو باستعانته بخبير، فيمكنك أن تتنفس الصعداء! فهو لن يصرف النظر عن مشروعك فقط، وإنما سينشر الخبر في إطار أصدقائه في المحادثات العادية، ويقرر عدم التعامل معك مستقبلا في أي شأن من الشؤون..
ملاحظة هامة: رغم أن هذه النقطة منطقية وبديهية، إلا أنه أحيانا ما يحدث العكس، أحيانا يصدق المستثمر الكذب، وينخدع بحماسة الشاب رائد الأعمال وبراءته، وتنتقل إليه هذه الحماسة فيقرر الاستثمار معه.. لهذا لا أنصح الكاذب المحترف باستخدام هذه الطريقة، فلن تنطلي الحيلة على المستثمر ولن يبتعد عن المشروع..
تكبّر
يجب أن يشعر المستثمر أنك شخص ذو حيثية في المجتمع، لا مجرد رائد أعمال طبيعي تبحث عن تمويل لتتمكن من تحقيق حلمك.. تحكم في نبرة صوتك لتكون رخيمة عميقة، وتحدث بحساب، وانظر إليه من أعلى، وجهّز لنفسك تعريفا فخما، فأنت -مثلا- صاحب “جروب” من المشاريع المسماه باسمك (حتى لو كانت مجرد أفكار)، ولديك بدلا من فكرة واحدة مجموعة من الأفكار التي لم ترد على بال أحد من قبل، أنت هنا -فقط- لتدرس إمكانية التعاون مع المستثمر وكيف يمكن أن تفيده أنت، إذ يكفيه شرفا أن تسمح له بالاستثمار في مشروعك.. تحدث كثيرا عن ممتلكاتك ومستوى معيشتك ليعرف أنك لست أقل منه.. سيجعله هذا يشعر بالضيق لطريقتك المتعجرفة، ويقرر عدم استكمال اللقاء معك، ويكره مشروعك..
كن دكتاتورا
إذا سألك المستثمر بشكل متشكك عن نقطة معينة في المشروع أو أبدى ملاحظة انتقادية فلا تتهاون في التعامل معه، قاطعه، واجعله يتعرف على خبرتك الطويلة في المجال، ووصّل له رسالة أساسية: هذا مشروعي وأنا أعرف ما أفعله فيه، هذا مجالي وأنا خبير فيه.. ليس منطقيا أن يبدي رأيه في المشروع أو يناقش تفاصيله بشكل سلبي لمجرد أنه سيدفع مبلغا من المال.. وإذا كان معك مؤسسون مشاركون وتحدث أحدهم فتعمّدْ قطع كلام كل منهم وتسفيهه والتحدث عنه بشكل سيء، يجب ألا يتحدث أحد في وجودك.. هكذا سيرفض تماما الاستثمار معك لأنك غير قابل للتعليم ولا التوجيه، كقطار لا يمكن لأحد الوقوف في طريقه..
لا تحصل على أي خبرات
ابدأ المشروع دون أن تكون لديك خبرات عن مجاله ولا خبرات في التخصص الذي أنت مسؤول عنه في المشروع، وحبذا لو كان شركاؤك كذلك: دون خبرة في المجال ولا في تخصصاتهم.. فعندما يدرس المستثمر المشروع ويجد أن كل عناصره غير مؤكدة وإنما هي خاضعة للتجربة والخطأ بما في ذلك فريق العمل نفسه، سيشعر بأن مقياس الخطورة زاد إلى حد لا يمكنه تحمله، فمن الممكن أن يقبل مشروعا غير مؤكد النتائج إذا قام عليه فريق متمكن من أدواته إلى حد مطمئن، بأن يكون كل من أعضائه قد عمل في تخصصه فترة مناسبة في شركة أو شركات متعددة، وأن تكون لدى واحد منهم على الأقل خبرة في مجال عمل المشروع، أما بوضعكم الحالي فسيكون من السهل أن يقرر رفض المشروع، وتتحقق بذلك أمنيتك..
لا تستثمر أنت في مشروعك
لا تضع نقودا في بداية المشروع لا من مدخراتك ولا من مساهمات أصدقائك أو أفراد أسرتك، اعتمد على المبالغ التي تتوقعها من المستثمرين الخارجيين، هذا التصرف مقلق للمستثمر، لأنه يعني أنك غير مقتنع بمشروعك للدرجة التي تجعلك “تورط” نفسك وأهلك ومعارفك فيه! وضّح له هذا تماما، أخبره أنك ستبدأ تنفيذ المشروع بماله هو، وأنك لم تدفع شيئا.. من المتوقع أن يرفض المستثمر وأن يبحث عن فرصة أفضل يكون متحققا فيها مبدأ:
skin in the game
الذي يعني أنك تساهم في المشروع بكل شيء إيمانا منك به..
اشغل نفسك بأشياء كثيرة
لا تتفرغ للمشروع، اعمل في شركة، وابدأ عدة مشروعات أخرى غير هذا المشروع، ووزع اهتمامك بينها جميعا، أو أخبر المستثمر بأن في جعبتك أفكارا لمشاريع كثيرة وأنك تريد أن تنفذ المشروع الحالي لتتفرغ لها، بهذه الطريقة ستنجح في تخويف المستثمر على استثماره وفي أن يتوقع أن تضيع كل ما تأخذه، فمن الأساسيات التي تعلمها رجال الأعمال ودفعوا فيها أثمانا غالية أن التفرغ للعمل أمر أساسي لا يمكن التهاون فيه، وإلا تعرض للخسارة والتوقف..
اخرج عن حدود اللياقة
نعم.. نعم.. هذه طريقة مضمونة ولا تحتاج إلى مهارات خاصة أو خبرات كبيرة لدى المستثمر لاكتشافها وأخذ قرار عدم التعامل معك.. تحدث بأسلوب غير لائق، تعمد أن ترفع الكلفة وأن تتحدث معه وكأنه أحد أصدقائك، قاطعه كثيرا بمزاح، اجعله يشعر بعدم الراحة أثناء المناقشة، تحدث عن شركات وأشخاص غائبين بشكل سيء، اجعل صوتك عاليا، وإذا تأخر عن موعده معك فلا تلتمس له عذرا وإنما عبر عن ضيقك بشكل هجومي ولا تقبل منه أسبابا.. وإذا شعرت بأنه غير مهتم بالمشروع فتماد في ما تفعله: ألصِقْ به أوصافا تخص قلة الخبرة وانعدام الذكاء..
خبّئ تفاصيل المشروع
اعتبر المستثمر منافسا لك، واحرص على ألا تخبره عن أي تفاصيل تخص المشروع، يكفي أن يعرف الاسم ونبذة بسيطة عن المشكلة التي يحاول حلها، أما الحل نفسه والمنتج وطريقة التشغيل والتسويق وتوقعات المصاريف والمبيعات وغير ذلك فلا تتحدث فيها، ووضّح له ذلك دون تردد.. وإذا شعرت أنه لم يتضايق بما فيه الكفاية فاطلب منه توقيع اتفاقية عدم إفشاء الأسرار لتتأكد من أنه لن يخبر أحدا بما سيعرفه.. النتيجة الحتمية هي أنه سيقرر عدم الاستمرار في اللقاء وأنه سيرفض الاستثمار في مشروعك..
اطمع
بما أن مبالغ التمويل الهائلة التي تحصل عليها المشاريع بين الحين والآخر تبدو سهلة المنال، وبما أن هدفك من إنشاء مشروعك هو الحصول على جزء من “التورتة” بغض النظر عن وجود فائدة حقيقية فيه للناس، فلا تلتفت لطريقة حساب مبلغ التمويل المطلوب، ولا لطريقة تقسيم الحصص في المشروع، اللتين تحدثنا عنهما في “خضر وبيزنس” من قبل، وفكر في أكبر رقم تريد الحصول عليه، وفي أقل حصة يمكن أن تمنحها للمستثمر.. وعندما يطلب منك شرح أسبابك وتقديم الطرق التي وصلت بها إلى تلك الأرقام تحدث معه عن عبقرية المشروع، والمدى الذي يمكن أن يصل إليه، واجعله يشعر أنها فرصة العمر..
من المتوقع جدا أن يصرف المستثمر النظر عن مشروعك، وأن يأخذ عنك انطباعا سيئا يدفعه لعدم قبول التواصل معك مرة أخرى، كالتالي: إما أن هذا الشخص غير متخصص في المشاريع ولا يعرف شيئا عنها، أو أنه طماع ويريد الحصول على كل شيء دون مجهود ودون مقابل، أو الاثنان..
ختاما
أحيانا يرفض المستثمر أو مسرّعة الأعمال الاستثمار في مشروع ما بسبب مشاكل في شخصية المؤسس وطباعه، ولا يتمكنون من مصارحته بذلك، لأنهم لا يريدون إغضاب الناس أو تكوين حزب من الكارهين لهم.. قد يكون العيب حقيقيا وقد يكون عن سوء فهم منهم، فالثقة بالنفس مهمة لكن زيادتها تترجم غرورا في بعض الأحيان، والردود الجاهزة السريعة مطمئنة لكن كثرتها تحولها إلى كذب بالنسبة لبعض المتلقين، والاهتمام بتصحيح أخطاء الآخرين يدل على المعرفة والدقة ولكنه يعطي انطباعا بالوقاحة وحب الظهور..
نصيحتي في هذه الحالة (إذا تم رفض مشروعك دون سبب معلن) أن تسأل الجهة المسؤولة: هل السبب عيب في شخصيتي أو مستوى خبرتي؟ أنا أو غيري من الشركاء؟ بهذه الطريقة قد يشعرون بالأمان وبالمسؤولية فتتم مصارحتك بالعيب لتتمكن من تداركه..
Last Updated on 08-07-2020