عندما تنظر إلى جبل جليدي وتنبهر لحجمه الضخم فلا تنس أن ما تراه هو جزء صغير منه.
في الحقيقة 90% من الجبل يختفي تحته في المحيط، اكسر القمة وسيصعد الجبل لتكون له قمة جديدة.
عندما تنظر إلى شخص وترى منه سلوكيات خاطئة فلا تنس أن ما تراه هو جزء صغير منه.
في الحقيقة هناك جذور عميقة بداخله لهذه السلوكيات تتكون من مشاعر وقناعات وميول.
حاول تقويم سلوكه وسيصعد السلوك إلى السطح من جديد، أو يظهر سلوك خاطئ آخر نتيجة وجود تلك الجذور بالداخل كما هي.
…
منذ أشهر قليلة تزوجت إحدى الفتيات من أصدقاء العائلة، وقبل أن يمر وقت طويل وقع الطلاق وعادت إلى أهلها.
السبب؟ لم يكن لديها أي استعداد لتنظيف البيت وغسيل المواعين والقيام ببقية المهام.
لم تكن مقتنعة بذلك. وعندما حاولت لم تستطع.
…
في وقت مقارب تزوجت فتاة أخرى من زميلها في العمل.
وقبل الزواج تحدثا عن المساواة بما أن ظروف عملهما واحدة، فاتفقا على الخدمة في البيت بالتبادل ليكون كل منهما مسؤولا مسؤولية كاملة يوما والآخر يوما.
بعد ثلاثة شهور وقع الطلاق.
السبب؟ وجد الشاب أنه ليس بإمكانه الاستمرار بهذه الطريقة وطلب أن يكون هناك ترتيب آخر، ولم يكن لدى الفتاة استعداد لتغيير الاتفاق.
…
في حين سمعت الجمل المتنوعة التالية من سيدات مختلفات وعلى فترات مختلفة:
“أنا المسؤولة وحدي عن توصيل الأولاد إلى التدريبات”
“أنا المسؤولة وحدي عن رعاية والده المسن”
“أنا المسؤولة وحدي عن تربية الأولاد”
“أنا المسؤولة وحدي عن المذاكرة للأولاد”
“أوقدت أصابعي العشرة شمعا من أجله”
فقد سمعت الجمل المكررة التالية مئات المرات ومن معظم السيدات:
“لا يوجد تقدير”
“لا أسمع كلمة حلوة”
“لا يشعر بوجودي في المنزل، أو في حياته”
“لا يهتم بي”
“لا يخرجني لقضاء وقت سعيد”.
…
رأيي الشخصي هو أن أبطال القصص السابقة مخطئون بنسبة 30% فقط ومبرؤون بنسبة 70%!
الأب والأم في كل أسرة، بمن فيهم أنا وزوجتي، يتحملون المسؤولية عنها بتلك النسبة: 70% لا أقل من ذلك.
لماذا؟
هل تذكر “في الحقيقة هناك جذور عميقة بداخله لهذه السلوكيات تتكون من مشاعر وقناعات وميول”؟
الأهل يزرعون هذه الجذور، يوصلون الأفكار الصحيحة إلى الأبناء ويربطونها لديهم بالمشاعر دون قصد، فتتكون لديهم الميول تدريجيا، ومع ترسخ الأفكار وتثبيتها بالمشاعر وازدهار الميول تتكون السلوكيات وتظهر العادات، ويسعد الناس بشخصية سوية.
الأهل يزرعون في العقول والقلوب حقيقة الحياة وسبب الوجود، أهمية أن يكون الله هو محور كل شيء، لا يتخلون عن التأسيس.
الأهل يعاقبون على الخطأ كما يكافئون على الصواب مهما كان ذلك قاسيا على نفوسهم، لا يتجاهلون الخطأ.
الأهل يعوّدون على العادات الصحيحة مهما كانت صعبة أو مملة، لا يدللون بغير حساب.
الأهل يخصصون وقتا للتواصل النفسي والعاطفي والفكري مهما كانت ظروفهم، لا ينشغلون طوال الوقت.
الأهل يفلترون الأفكار الجديدة المكتسبة من الشلة أو المؤسسة التعليمية أو التطبيقات الاجتماعية، لا يتغافلون عنها.
الأهل يتخطون مرحلة تعليم الصواب والخطأ إلى تعليم “الإحسان” والتشجيع عليه، لا يقللون من أهميته.
…
أما إذا لم يحدث ذلك فلم يهتم الأهل بالتربية فسوف يقوم البديلان الوحيدان بالتربية: الشلة والفيس بوك.
الشلة وهي لا تحتاج إلى وصف.
وثقافة الفيس بوك هي منشورات متناثرة يشتهر منها ما يقع على هوى الكثيرين من الناس ومع تحولها إلى ترند تصبح قناعة تترسخ في الأذهان والعقول. لا يهم إن كانت متوافقة مع الدين أم لا، مع العرف أم لا، مع المنطق حتى أو لا.
هذان هما البديلان اللذان تركهما الأهل ليربيا أولادهم بدلا منهم.
(طبعا للمؤسسة التعليمية دور لا يقل أهمية عن دور الأهل لكن شعرت أنه من المضيع للوقت الحديث عنه حاليا.)
…
هل يعني ذلك “ضرورة” ارتكاب الشباب للسلوكيات الخاطئة بما أنه معذور بنسبة كبيرة؟
بالطبع لا.
أنت شخص مستقل بكيان مستقل، ستحاسب في الدنيا والآخرة بهذا الشكل.
لن يمكنك تبرير أفعالك أمام الناس وأمام الله بسبب ظروف مررت بها أسهمَت في أن يصعب عليك تصويب سلوكياتك.
اسع للتعرف على نفسك جيدا، ارفع الوعي الذاتي، وتعلم، وصحح ما تجده محتاجا للتصحيح، واسع دائما لتكون شخصا أفضل مما كنت عليه أمس.
افهم معنى النجاح، ثم اتخذ قدوات حقيقيين بناء على ذلك الفهم الصحيح، قدوات من كل الأزمان، ثم ضع أهدافا أمامك.
اعرف أن انتشار الشيء واقتناع عدد كبير به لا يعبر عن قيمته ولا يعني أنه صحيح بالضرورة، اتخذ من قدواتك نقاط تَحَقُّق ترجع إليها عند الشك في شيء ما.
إذا أردت جملة واحدة فمن الممكن أن تكون حديث “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، ومنه المثل الإنجليزي:
Do as you would be done by.
…
وفقني الله وإياك للحق والخير ❤️