عصير التمر هندي المزيف

كنت قد أحضرت عدة أنواع من العصائر والمشروبات في إفطار الشركة الاحتفالي منذ عامين، وبعد الأكل طلب بعض الزملاء التمر هندي مختصرين اسمه إلى “التمر”، ومع أوائل الرشفات تعالت صيحات الاشمئزاز والاستغراب بينما أنا في حيرة مما يحدث. شيئا فشيئا أدركت أنهم معتادون على مشروب التمر هندي الصناعي لا الطبيعي.

جربت المشروب المذكور ولم أتحمل طعمه، ليس فيه أكثر من سكر ونكهات وألوان وصبغات صناعية، بالنسبة لي هو مشروب مزيف مكون من مواد كيميائية سرق اسم التمر هندي واختزله إلى “تمر” ونجح في تعويد الجمهور على طعمه إلى أن أصبح الطعم الحقيقي الأصلي ممجوجا وغير مستساغ لهم.

الفرق بينهما هو أن المشروب المزيف “أحلى” في الطعم على المدى القصير، فسكره أكبر والنكهة الصناعية يتم تعديلها حسب مكان الإنتاج لتكون أحلى، بينما على المدى الطويل لا فائدة فيه للصحة، على العكس: للمواد الكيميائية المصنّعة بعيدا عن أعين الرقابة أضرار على الكبد والأمعاء ثم مخاطر أكبر فيما بعد.

أما الأصلي فنكهته ورائحته أقوى وحمضيته مختلفة مما يجعله أقل تقبلا لدى من جرب المشروب المزيف، وفي المقابل فوائده الصحية مشهورة ومنتشرة في المواقع الطبية على الإنترنت.

أتذكر “التمر هندي” و”التمر” كلما شاهدت منشورا أو صورة فيها حكمة مما ينتشر في “الفيس بوك” و”لينكد إن”، يتداعى الاثنان إلى ذاكرتي على الفور عندما تمر بي مقولة من قبيل:

“ما وضع الله لديك الرغبة في الشيء إلا ليمنحك إياه”

“السعي يحتم الوصول”

“ما دام الله قد وضع الفكرة في عقلك فبالتأكيد لديك إمكانية تنفيذها”

“العمر أقصر من أن تقضيه في علاقة تضايقك”

“الكأس المكسورة لا يمكن أن تعود كما كانت”

“لا تعرف أيهم أقرب إلى الله”

هذه المقولات الشائعة “المزيفة” تعطي تحفيزا يمكنك أن تبدأ به يومك، وتمنح سعادة وقتية من شأنها أن تجعلك أكثر تقبلا لما يحدث، إلا أنها من ناحية أخرى ترسخ لديك مفاهيم خاطئة غير صحيحة وغير منضبطة شرعا ولا عقلا، لن تشاهد أضرارها الآن وإنما بعد مدة طويلة..

هذه المقولات تسبب ضعف الشخصية، وضعف الإرادة (على عكس المتوقع)، وقلة الحيلة أمام التحديات، والسلبية، والعزلة، والإحباط ثم الاكتئاب، وكلما ترسبت معانيها بداخلك أصبح التخلص منها أصعب وأصبحت نتائجها السلبية متوقعة أكثر.

في المقابل قد لا تكون المقولات الصحيحة والمنضبطة مبهرة أو جذابة أو حلوة للوهلة الأولى، وقد تتطلب منك مجهودا في فهمها وتقبلها، وسوف تحصل على التحفيز نفسه والسعادة نفسها عندما تفهمها بشكل صحيح.

على المدى الطويل تؤسسك معاني المقولات الحقيقية، وتمثل الأساس القوي والصحيح لخطوات حياتك المبنية بعضها على بعض، وتمنحك من الحكمة ما يمكنك أن تنقله لأبنائك ولدوائر تأثيرك.

لا تنبهر بكثرة المشجعين للكلام المزيف فهو مبهر بطبعه، وفكر فيه قبل أن تقرر تصديقه واعتناقه ونشره.

نقدم في "خضر وبزنس" استشارات في:

د. محمد حسام خضر خبير الإدارة والاستثمار ومؤلف كتاب "رائد الأعمال Inside Out"، أسس العديد من الشركات في مجالات مختلفة منذ 1997، وأسهم في إنشاء الكثير منها وتمويلها وبيعها، ويقدم الاستشارات للشركات التقليدية والريادية منذ 2018.

احجز جلستك معنا عن طريق واتس اب أو الإيميل من هنا: اتصل بنا.

FacebookTwitterLinkedInYouTubeWhatsApp