التفكير الاستراتيجي لصاحب الشركة

في عالم الأعمال اليوم، حيث تتسارع التغييرات وتزداد المنافسة، يجد العديد من مديري الشركات أنفسهم محاصرين في دوامة التفكير النمطي. هذا النوع من التفكير، الذي يعتمد على الروتين اليومي والحلول التقليدية، قد يكون كافيًا في أسواق مستقرة، لكنه يصبح عقبة أمام النمو والاستدامة في بيئة ديناميكية.

تخيل مديرًا يدير شركته كما لو كانت آلة تتكرر عملياتها يوميًا: يركز على المشكلات اليومية، يعتمد على الخبرات الماضية دون تحليل، ويتجنب المخاطر خوفًا من الفشل. هذا التفكير النمطي، الذي يشبه السير في طريق معبد دون النظر إلى الطرق الجانبية، غالبًا ما يؤدي إلى فقدان الفرص وتراكم الخسائر.

أما التفكير الاستراتيجي، فهو البديل الذي يحول المدير من مجرد إداري إلى قائد يرسم مستقبل الشركة. بناءً على خبرتي الطويلة في إنشاء وتمويل الشركات منذ عام 1997، وفي تقديم الاستشارات للشركات التقليدية والريادية منذ 2018، أرى أن التفكير الاستراتيجي ليس مجرد أداة، بل فلسفة عملية تجمع بين التحليل العميق والابتكار الأخلاقي.

الفرق الأساسي بين التفكير النمطي والتفكير الاستراتيجي

لنبدأ بفهم الفرق الجوهري. التفكير النمطي يركز على “الآن”، أي حل المشكلات اليومية بطرق مألوفة. على سبيل المثال، إذا انخفضت المبيعات في شركة تجارية، قد يلجأ المدير النمطي إلى خفض الأسعار أو زيادة الإعلانات التقليدية دون دراسة الأسباب العميقة. هذا التفكير يعتمد على الرد التلقائي، مثل الاعتماد على الرواتب الافتراضية للموظفين دون تقييم الإنتاجية الحقيقية، كما رأيت في العديد من الشركات التي استشرتها حيث كان التركيز على الحفاظ على الوضع القائم بدلاً من التطور.

أما التفكير الاستراتيجي، فيعتمد على “المستقبل”، حيث يرى المدير الشركة ككائن حي يتفاعل مع البيئة الخارجية. هو يسأل: ما هي الاتجاهات السوقية؟ كيف يمكن استغلال الفرص الجديدة؟ وكيف نحمي الشركة من المخاطر؟ الفرق هنا ليس في الحل، بل في المنهج: النمطي يعالج الأعراض، بينما الاستراتيجي يعالج الجذور ويبني الاستدامة.

الجانبالتفكير النمطيالتفكير الاستراتيجي
التركيزاليومي والروتينيالمستقبلي والطويل الأمد
المنهجردود تلقائية مبنية على الماضيتحليل عميق وتخطيط مبتكر
المخاطرتجنبها خوفًا من الفشلتقييمها واستغلالها كفرص
النتيجةاستقرار مؤقت مع خطر التراجعنمو مستدام وتفوق تنافسي

هذا الجدول يلخص كيف يمكن للتفكير الاستراتيجي أن يحول الشركة من مجرد ناجية إلى رائدة في سوقها.

خطوات عملية لتبني التفكير الاستراتيجي

ليس التفكير الاستراتيجي موهبة فطرية، بل مهارة يمكن تعلمها من خلال خطوات منهجية. بناءً على خبرتي في استشارة مئات الشركات، أقترح الخطوات التالية ليحل محل التفكير النمطي:

  1. تقييم الوضع الحالي بموضوعية: ابدأ بدراسة شاملة للشركة. لا تكتفِ بتقارير المبيعات، بل قم بتحليل SWOT (القوى، الضعف، الفرص، التهديدات). في حالة إحدى الشركات اكتشفنا أن الضعف الرئيسي كان في سلسلة التوريد، فأعدنا هيكلتها لتقليل التكاليف بنسبة 25%. استخدم أدوات مثل استطلاعات العملاء أو تقييمات خارجية لضمان الشفافية.
  2. تحديد الأهداف الطويلة الأمد: لا تفكر في الأشهر القادمة فقط، بل رسم رؤية للسنوات الخمس أو العشر المقبلة. سأل: ما هي مكانة الشركة في السوق بعد خمس سنوات؟ اجعل الأهداف SMART (محددة، قابلة للقياس، قابلة للتحقيق، ذات صلة، محددة زمنيًا). على سبيل المثال، إذا كنت تدير شركة خدمات، حدد هدفًا مثل “الوصول إلى 50% من السوق الرقمي خلال ثلاث سنوات”، ثم قم بتفكيكه إلى خطط فرعية.
  3. تحليل البيئة الخارجية: هنا يبرز الفرق عن النمطي. استخدم أدوات مثل PESTEL (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، التكنولوجية، البيئية، القانونية) لفهم التغييرات. في وقت كورونا ساعدت شركة تجزئة على التحول الرقمي بعد تحليل الاتجاهات الاجتماعية نحو التسوق عبر الإنترنت، مما أنقذها من التوقف بسبب تغير نظام المشتريات لدى الموردين.
  4. تشجيع الابتكار والمشاركة: لا تكتفِ بالقرارات الفردية؛ شجع الفريق على المشاركة، مستلهمًا من مبدأ الشورى الإسلامي. قم بجلسات عصف ذهني منتظمة، وابحث عن أنواع الابتكار الثلاثة: رفع الكفاءة (مثل أتمتة العمليات)، المحافظة على العملاء (عبر برامج ولاء)، وإنشاء أسواق جديدة (مثل دخول قطاعات جديدة).
  5. تقييم المخاطر ووضع خطط بديلة: لا تتجنب المخاطر، بل حددها وقيمها. استخدم سيناريوهات مثل “ماذا لو انخفض الطلب؟” أو “ماذا لو دخل منافس جديد؟”.
  6. تنفيذ ومراقبة مستمرة: لا تكتفِ بالتخطيط؛ نفذ الخطط وقيس النتائج باستخدام مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs). قم بمراجعات دورية، وعدل حسب الحاجة. هذا يضمن الاستدامة، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “اعقلها وتوكل”، أي خطط جيدًا ثم نفذ.
  7. التعلم من الأخطاء والتكيف: التفكير الاستراتيجي يرى الفشل كدرس. بعد كل مشروع، قم بتحليل ما نجح وما فشل، واستخدمه في المستقبل.
  8. الاستعانة بخبراء خارجيين: إذا كنت جديدًا في هذا، لا تتردد في استشارة متخصصين. في خدماتي، أقدم تقييمات استراتيجية تشمل كتابة الخطط وتقييم المخاطر، مع التركيز على العدالة والشفافية.

التفكير الاستراتيجي ليس رفاهية، بل ضرورة لأي مدير يريد أن يبني شركة مستدامة في عالم متغير. بدلاً من الوقوع في فخ التفكير النمطي، ابدأ اليوم بتطبيق الخطوات أعلاه، وستلاحظ الفرق في النمو والاستقرار.

نقدم في "خضر وبزنس" استشارات في:

د. محمد حسام خضر خبير الإدارة والاستثمار ومؤلف كتاب "رائد الأعمال Inside Out"، أسس العديد من الشركات في مجالات مختلفة منذ 1997، وأسهم في إنشاء الكثير منها وتمويلها وبيعها، ويقدم الاستشارات للشركات التقليدية والريادية منذ 2018.

احجز جلستك معنا عن طريق واتس اب أو الإيميل من هنا: اتصل بنا.

FacebookTwitterLinkedInYouTubeWhatsApp