الشراكة في الأعمال هي واحدة من أكثر أشكال التعاون التجاري انتشارًا، وقد تكون مفتاحًا للنجاح أو سببًا في الفشل، بحسب الطريقة التي تُدار بها. في هذه المقالة تفريغ لفيديو “أخطاء الشركاء” الذي أسرد فيه خلاصة تجاربي الاستشارية في التعامل مع مشكلات الشركاء في الشركات الناشئة والتقليدية، مستخلصًا أبرز الأخطاء المتكررة، وموضحًا سُبل الوقاية والعلاج، مع ملاحظة أن هذا التفريغ مختصر ويمكنك الرجوع للفيديو للتفاصيل والأمثلة الواقعية.
الصورة الذهنية السلبية عن الشراكة
من الملاحظ أن الشراكة كثيرًا ما تحاط بهالة من التشاؤم، ويُنظر إليها كخطر ينبغي تجنّبه. يعود ذلك لتجارب سلبية عاشها أو سمع عنها كثيرون، حيث انتهت شراكات بخيانات وخلافات وانهيارات مالية. لكن الواقع أن الشراكة كغيرها من صور التعامل؛ إن أحسن الناس اختيار الشريك وأداروا العلاقة بإحكام، كانت خيرًا كثيرًا. الآية الكريمة ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ لا تنهى عن الشراكة، بل تُرشدنا إلى معايير اختيار الشريك الصالح المؤمن الذي يعمل الصالحات.
أبرز الأخطاء العملية في الشراكات
1. الشريك غير الكفؤ في دوره التنفيذي
أحيانًا يُتفق على توزيع الأدوار بناءً على الجهد بدلًا من المال، لكن يتبين بعد مدة أن أحد الشركاء غير مؤهل أو غير ملتزم، فيُصبح عبئًا على الشركة. هنا تظهر أهمية الوقاية منذ البداية من خلال:
- تحديد المهام والمسؤوليات بوضوح.
- وضع مؤشرات أداء دورية.
- ربط الحصص بفترات استحقاق واضحة.
أما إن حدث الخطأ بالفعل، فالحل يكون بالحوار أولًا، ثم التحكيم، وإن تعذّر التفاهم، فيُعاد النظر في حصته بما يتوافق مع الواقع.
2. غياب المدير العام وتداخل الصلاحيات
من أكبر الأخطاء أن يُتفق على أن “الجميع يدير”، دون تعيين مدير عام. يُسبب ذلك تضاربًا في القرارات، وتشتتًا في الفريق، وشعورًا بالظلم بين الشركاء التنفيذيين. العلاج: تعيين مدير عام واضح الصلاحيات، مع تفعيل مجلس إدارة يضبط العلاقة بين الإدارة اليومية والقرارات الاستراتيجية ويعطي المجال للشركاء للمحاسبة.
3. نزاع الحصص
ينشأ غالبًا من:
- عدم الاتفاق المسبق على الحصص.
- زيادة مساهمة أحد الشركاء لاحقًا دون تعديل الحصص.
- شعور بعضهم بعدم العدالة.
الحل الوقائي هو التوثيق من البداية، وتحديد الحصص بناء على مساهمة المال أو الجهد أو كليهما، وفق معايير موضوعية. أما العلاج، فيبدأ بالتفاوض، ثم التحكيم، وقد ينتهي بتصفية الشركة إن تعذّر الاتفاق.
4. عدم التزام الشريك بسداد مساهمته
يحدث أن يتفق الشركاء على مبالغ متساوية، ثم يتأخر أحدهم في السداد. الخطأ أن يُترك الأمر دون تعديل الحصص. الصحيح أن تُحتسب الحصص بناء على ما تم دفعه بالفعل، وتُحدث تدريجيًا مع كل دفعة.
5. التصرف في الأرباح دون اتفاق واضح
حين يترك شريك أرباحه في الشركة، ثم يطالب باعتبارها زيادة في الحصة أو مشاركة في الأرباح، تحدث الخلافات. الوقاية تكون باتفاق مسبق: هل تعتبر الأرباح المتروكة قرضًا أم استثمارًا؟ إن لم يوجد اتفاق، فالأصل أنها تُرد كما هي.
6. تحويل القروض إلى حصص ملكية
لا يجوز شرعًا تحويل الدين إلى حصة ملكية مباشرة، بل يجب رد المال أولًا، ثم الدخول باتفاق جديد. وهذا لمنع التنازع لاحقًا، وحفظًا لحقوق الطرفين.
7. فرض توظيف الأقارب أو أبناء المستثمرين
أحيانًا يُفرض على الشركة توظيف أشخاص بناءً على العلاقات، لا الكفاءة، مما يؤدي إلى ضعف الأداء أو تسرب المعلومات. الحل: ألا يتم التوظيف إلا بقرار مجلس الإدارة بعد مقابلات واضحة وتقييم موضوعي.
8. محاولات التخارج المبكر
يرغب بعض الشركاء في بيع حصصهم بعد فترة وجيزة من بداية المشروع، طمعًا في الربح السريع. هذا يرسل مؤشرات سلبية عن الشركة. يجب النص في العقد على فترة قفل (Lock-up Period) قبل السماح ببيع الحصص، أو ربط ذلك بتحقيق أهداف محددة.
9. التأثير السلبي للعلاقات العائلية
في الشركات العائلية، خصوصًا عند وجود الأب، قد تضعف الموضوعية، ويصعب الاعتراض على القرارات. الحل هو وجود مجلس إدارة محدد الصلاحيات، يُعامل كل الأطراف بمساواة، ويُفصل بين العاطفة والإدارة.
10. المطالبة برواتب رغم عدم وجود دور تنفيذي
من غير المقبول أن يطلب الشريك غير التنفيذي راتبًا ثابتًا. إما أن يكون له دور تنفيذي، أو أن يستفيد من توزيعات الأرباح فقط. خلاف ذلك، يدخل في نطاق الربا.
11. نموذج الاستثمار مقابل نسبة من المبيعات (RBF)
أن يطلب المستثمر نسبة ثابتة من الإيرادات بصرف النظر عن الأرباح، هو تعامل ربوي مرفوض شرعًا، يجب الانتباه إليه.
12. خروج الشريك وتحديد قيمة حصته
عند التخارج، لا يصح تحديد قيمة الحصة بالاعتماد على الأصول فقط أو حسابات عشوائية. بل يجب اللجوء إلى مقيم شركات احترافي لتحديد قيمة الشركة العادلة، لتحديد قيمة عادلة لحصة الخارج.
13. التحكم في البيانات المالية
من حق الشركاء الاطلاع على البيانات الأساسية كقوائم الدخل والمركز المالي، ولو كانوا غير تنفيذيين. منعهم من ذلك يثير الريبة ويُضعف الثقة.
14. التحكيم العائلي غير المتخصص
كثيرًا ما يُلجأ إلى كبار العائلة للفصل في نزاعات الشراكة، وهذا لا يصلح غالبًا، إلا إذا كانوا من أهل الخبرة. الأفضل الاتفاق على محكمين مهنيين منذ البداية.
الشراكة مسؤولية وعقد لا يُستهان به
الشراكة الناجحة تقوم على وضوح، وعدل، واحترام للحقوق والواجبات. وكل ما سبق لا يكفي بدون وثيقة مكتوبة تُنظم العلاقة. فالنية الطيبة وحدها لا تكفي، بل لا بد من العمل المهني السليم، والتوثيق القانوني، والحوكمة الجادة.
وختامًا، أدعو كل من يفكر في الشراكة أن يبدأ بالتعلّم والوعي، قبل أن يبدأ بالاتفاق والتوقيع.
اشترك في قائمتنا البريدية إذا كنت مهتما بالإدارة والاستثمار والشركات والدورات التدريبية.