من أكثر الأعراف السائدة في الشراكة والأعمال ظلما وإجحافا للشريك بالمجهود مسألة اشتراط رد رأس المال قبل توزيع الأرباح.
يتفق صاحب رأس المال مع الشريك بالمجهود على دخولهما بحصص معينة في الشراكة الكاملة: الأصول التي تنشأ عن الشراكة والأرباح، دون أن يستحق الشريك بالمجهود راتبا، ثم لا يكون هناك توزيع للأرباح إلا عندما يسترد صاحب رأس المال ماله كاملا من الأرباح، وبعد ذلك يبدأ توزيع الأرباح على الشريكين.
من الطبيعي (والشرعي) ألا يكون للشريك بالمجهود راتب، فقد اختار أن يصبح شريكا في الشركة بدلا من ذلك، لا مشكلة. لكن ليس من حق صاحب رأس المال أن يسترد ماله في البداية مطلقا! ويمكن توضيح ذلك من ثلاث جهات.
- من جهة إدارة الأعمال: فهذه الممارسة تحرم الشركة من رأس المال الذي كان من المفترض أن يسهم في تسريع نموها ونمو ربحيتها، وتعيقها عن ممارسة أنشطتها بشكل منتظم بلا ضغوط من ضعف النقدية المتاحة، وفي هذا ظلم للشريك بالمجهود إذ حُرمت شركته مما ذكرته.
- من جهة الحقوق (1): المطلوب -حسب هذه الطريقة- من الشريك بالمجهود أن يعمل “دون مقابل” لمدة ثلاثة سنوات أو أربعة أو خمسة، فمن المعتاد أن تبدأ الشركة بخسارات بسبب زيادة التكاليف عن الدخل، وشيئا فشيئا يتقاربان حتى تظهر الأرباح، يمكن أن يستغرق هذا أي وقت من شهرين إلى سنتين (حسب المجال وحسب ظروف الشركة)، وهذا وقت رضي الشريك بالمجهود أن يتحمله دون مقابل ترقبا لتصحيح وضعه بسحبه من الأرباح.
إلا أن الممارسة المذكورة تحرمه من ذلك وتجبره على الانتظار لفترة أطول بكثير، فترة تطول حتى يسحب صاحب رأس المال كل الأرباح التي تظهر بالشركة ليغطي رأس ماله تدريجيا.
- من جهة الحقوق (2): لنفترض أن الشريك بالمجهود عمل لمدة سنتين دون مقابل ودون أرباح وقرر ترك الشركة، ما الذي حصل عليه في هذه “الشراكة” مقابل مجهوده؟ صفر: فلا راتب (باعتباره شريكا بالمجهود) ولا حصة في الأرباح (التي يسحبها شريكه بدلا منه) ولا حصة في الشركة (فلم تظهر بعد أصول جديدة يمكن تقييمها).. في الوقت نفسه حصل صاحب برأس المال على شركة قائمة وربما على أرباح استردها على هيئة جزء من رأس ماله، وفي هذا ظلم واضح للأول وضمان للربح للثاني مما يصبغ الممارسة بصبغة الربا المحرم.
الصواب هو أن يترك صاحب رأس المال ماله في الشركة لحين قراره التخارج منها أو لحين تسييلها بأي شكل من الأشكال (كالبيع أو التصفية).
حكم توزيع الأرباح قبل استرداد رأس المال
جاء في المعايير الشرعية “لا ربح في المضاربة إلا بعد سلامة رأس المال”، وليس المقصود منها ما يفهمه بعض الناس عن عدم توزيع الأرباح إلا بعد استرداد صاحب رأس المال له، وإنما المقصود سلامته وبقاؤه في الشركة، وهذا ما يحدث بالفعل، فعندما تنتهي السنة المالية يحسب المحاسب أصول الشركة فإذا وجدها أكثر مما بدأت به السنة (رأس المال) اعتبر الزيادة ربحا وإلا كانت خسارة وبدأت الشركة السنة الجديدة في محاولة لتعويض هذه الخسارة وتحقيق ربح.
أما الاسترداد فيكون عند فض الشراكة.
وفقنا الله جميعا لما فيه الخير وفيه رضاه.
آخر تحديث في 18-01-2025