مستشار الأعمال: من هو ولماذا تحتاجه الشركة؟

في بعض اللقاءات مع أصحاب الشركات والمديرين التنفيذيين أسمع الجملة التالية: “نحن لا نحتاج مستشارًا، نحن نعرف شركتنا جيدًا”. ورغم احترامي لهذا الرأي، فإنني أراه –في كثير من الأحيان – السبب العميق لتكرار نفس الأخطاء، وبطء النمو، وصعوبة الخروج من الأزمات.

في هذه المقالة، أريد أن أتناول أهمية وجود مستشار أعمال خارجي بجانب قادة الشركات، لا كترف، ولا كمجرد إضافة تجميلية، بل كأداة حيوية لحماية الشركة، وتسريع نموها، وتحقيق أهدافها بطريقة متوازنة وعملية.

ما وظيفة مستشار الأعمال؟

مستشار الأعمال ليس مديرًا بديلًا، ولا مدربًا شخصيًا، ولا موظفًا يُملى عليه ما يفعل. بل هو طرف خارجي خبير، يقدّم للشركة ما يلي:

  • تحليل واقعي وحيادي للوضع الداخلي.
  • تشخيص دقيق لمشاكل الأداء والتشغيل والنمو.
  • تقديم توصيات قائمة على خبرة ومقارنة مع شركات أخرى.
  • المساهمة في بناء أنظمة الإدارة والتقارير والتقييم.
  • تدريب أو دعم الفريق التنفيذي في تنفيذ التغيير.

المستشار الجيد لا يُقدّم حلولًا جاهزة من الأدراج، بل يفهم واقع كل شركة، ثم يبني معها خريطة الطريق.

لماذا نحتاجه تحديدًا في منطقتنا؟

في المنطقة العربية، وتحديدًا في الشركات العائلية أو المتوسطة، هناك ثلاث مشكلات متكررة تجعل من وجود المستشار ضرورة:

1. ضعف الخبرة في الإدارة العلمية

كثير من رواد الأعمال بدؤوا من الصفر، ونجحوا بالاجتهاد والشطارة. لكنهم لم يتعلموا كيف تُدار الشركات وفقًا لأنظمة الحوكمة، والتحليل المالي، والمؤشرات التشغيلية. المستشار هنا يضيف البُعد العلمي الذي يفتقر إليه البناء العفوي.

2. الخلط بين الشخصي والمهني

تجد المدير يعامل موظفيه كأصدقاء أو أقارب، ويُدير الشركة بمنطق “المرونة المطلقة” أو “كلنا أسرة واحدة”. هذا النمط قد ينجح مؤقتًا، لكنه لا يصمد في وجه التوسع والتعقيد.

3. الخوف من التغيير

الشركات العربية تميل إلى مقاومة التغيير، وتفضيل الاستمرار على ما هو مألوف. المستشار الجيد يُقدّم خارطة تغيير متدرجة، ويُطمئن الفريق أن التطوير لا يعني الثورة، بل التحسين.

كيف يساعدك المستشار في تجاوز المشاكل؟

دعني أضرب لك أمثلة عملية:

  • شركة تبيع للشركات والتجار (B2B) تكسب على الورق إلا أن لديها أزمات مستمرة في النقد / الكاش، مع دراسة الوضع تبين أن سياسة التحصيل خاطئة ونشاط التحصيل ضعيف لعدم خبرة محاسب التحصيل، وكذلك تبين أن الشركة حريصة على التعامل مع الموردين بنظام النقد الفوري، مع مراجعة هذه النقاط ووضع نظام مختلف لها تغير الحال في وقت قصير بفضل الله.
  • شركة تبيع للتجار (B2B) تعاني من تراجع الأرباح رغم زيادة المبيعات، مع الفحص والاجتماعات ظهر أن مسؤولي المبيعات لديهم حرية في تحديد الخصم المناسب للعملاء وأن السعر قد نزل في بعض الأحيان إلى التكلفة بالفعل (التكلفة المباشرة + غير المباشرة)، فكان من الضروري وضع سياسة تسعير وسياسة رقابة على مسؤولي البيع.
  • شركة تشتكي من سرعة رحيل الموظفين بسبب استهدافهم من شركات أخرى، وبالنظر إلى طريقة إدارة الموارد البشرية اتضح عدم وجود أي برامج للتدريب، وعدم وجود كتيب خاص بنظام الشركة في الترقيات والزيادات السنوية والمكافآت، كما أن القائم على القسم غير كفء.
  • شركة عائلية تعاني من توتر بين الأبناء والأب المؤسس، تطلب الأمر رفع الواقع ثم بعض الاجتماعات مع الأب ليستوعب أهمية الحوكمة في تحديد الصلاحيات التنفيذية وبناء قرارات سليمة ومتوازنة وكذلك في منح الفرصة لغيره من التنفيذيين في صناعة القرار ومناقشته.

المستشار لا يصنع المعجزات، لكنه يُعيد ترتيب الأوراق، ويضع الحقائق على الطاولة، ويمنحك فرصة جديدة للنظر لشركتك من زاوية مختلفة.

لماذا لا نعرف كيف نتعامل مع المستشار؟

في عالمنا العربي، ما زالت العلاقة مع المستشار تُفهم بشكل خاطئ. بعض أصحاب الأعمال يرونه “متطفلًا” أو “ناقدًا”، أو ينتظرون منه حلولًا سحرية.

لكن التعامل الصحيح معه يقوم على:

  • الشفافية: أخبره بالحقائق كاملة، لا الصورة الوردية فقط.
  • الالتزام: طبّق التوصيات بجدية، وامنحها وقتًا للظهور.
  • المشاركة: لا تتعامل معه كأنه موظف، بل شريك تطوير.

وقد استدعيت في حالات كان من الواضح فيها أن المدير يريد أن أصفق له ليشعر بأهميته وقيمته، وفي حالات كان أحد الأطراف يريد مني شهادة إيجابية على الأرقام المحققة. هذه ليست استشارة، بل تجميل مؤقت.

متى تعرف أنك بحاجة إلى مستشار؟

  • حين تتكرر نفس المشاكل رغم محاولات الحل.
  • حين لا تجد وقتًا للتفكير الإستراتيجي بسبب الغرق في التفاصيل.
  • حين تختلف مع شركائك ولا تجدون مرجعية مهنية تفصل بينكم.
  • حين ترغب في التوسع لكن تخاف من فقدان السيطرة.
  • حين تشعر أن الشركة تعمل، لكنك لا تفهم تمامًا “كيف ولماذا”.

كيف تختار المستشار المناسب؟

  • الخبرة المتخصصة: فلا تطلب استشارات تسويقية من خبير مالي، ولا استشارات حوكمة من مدرب مبيعات.
  • الفهم الواقعي: اختر من يفهم سياقك المحلي، لا من يكرر كتب الإدارة الغربية.
  • الأسلوب العملي: الأفضل هو من يعطيك خطوات واضحة، لا من يملؤك نظريات.
  • النزاهة والاستقلالية: تجنب المستشار الذي يخبرك بما تحب، واطلب من يقول لك ما تحتاج.
  • الالتزام بالشرع: اقترب معه مما يأمرك الله به وابتعد عما نهى الله عنه، واجعله عونا لك على الحفاظ على الحقوق.

خلاصة

مستشار الأعمال ليس رفاهية. هو أداة من أدوات الاستدامة.

في عالم سريع التغير، ومع تشابك التحديات، أصبح من غير العملي أن تُدير شركتك وحدك، أو أن تعتمد على التجربة والخطأ فقط.

المستشار الجيد لا يأخذ مكانك، بل يقف بجانبك. لا ينتزع القرار منك، بل يساعدك أن تتخذه بوعي. لا يفرض رأيًا، بل يطرح زاوية جديدة للنظر.

فكر في الأمر كقائد سفينة يستعين بخرائط ملاحية أدق، أو طبيب يطلب رأيًا ثانيًا في حالة معقدة.

إذا كنت مؤسسًا أو مديرًا أو شريكًا، فاسأل نفسك: هل حان الوقت أن أجلس مع من يرى شركتي من الخارج، بنزاهة وخبرة، ويعيد ترتيب أولوياتي؟

إذا كانت الإجابة نعم، فابدأ رحلة الاستشارة. فهي ليست اعترافًا بالفشل، بل شجاعة البحث عن الأفضل.

نقدم في "خضر وبزنس" استشارات في:

د. محمد حسام خضر خبير الإدارة والاستثمار ومؤلف كتاب "رائد الأعمال Inside Out"، أسس العديد من الشركات في مجالات مختلفة منذ 1997، وأسهم في إنشاء الكثير منها وتمويلها وبيعها، ويقدم الاستشارات للشركات التقليدية والريادية منذ 2018.

احجز جلستك معنا عن طريق واتس اب أو الإيميل من هنا: اتصل بنا.

FacebookTwitterLinkedInYouTubeWhatsApp